حنان شومان تكتب: سيدة من مصر «1»

الأربعاء، 12 يونيو 2013 04:02 م
حنان شومان تكتب: سيدة من مصر «1» صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذه الحكاية عايشت بداية أحداثها فى نهاية التسعينيات ومن عجائب القدر أنى كتبت عنها ونشرتها فى نفس التوقيت، متصورة أنها حكاية وانتهت ولكنى اكتشفت أنها لم تنته بعد، فها أنا ألتقى ببطلتها لأواصل الحكاية ومعرفتى بها وبتفاصيل ما فاتنى من أحداث، ولم يخيل لى إلا أن تكون حكاية من حكايات السينما، ولكن من قال إن الحياة أقل إثارة من فيلم سينما على العكس، فكل إثارة السينما حتى بأفلامها الهندية أو الأمريكية لا تستطيع أن تنافس إثارة الحياة الحقيقية، ولكى تتأكد أيها القارئ العزيز اقرأ تفاصيل تلك الحكاية لتعرف أنك مهما عشت ومهما رأيت فهناك ما هو أكثر.

عرفت سيدة فى النصف الأول من التسعينيات، امرأة تعمل فى البيوت لمساعدة السيدات العاملات ولتساعد نفسها أيضاً، وكانت تلك حكايتها «تقول بطاقتها إن ميلادها جاء سنة العدوان الثلاثى على مصر، ولكن ملامحها من ذلك النوع الذى لا تستطيع أن تقدر له عمرا كثيرا كان أو قليلا.

فبعد موت أب لم تعرفه وأم احتضنتها لسنوات قليلة ثم لحقت بالأب كبرت سيدة بين أخوتها الرجال الذين لم يكونوا يكبرونها كثيرا، فكبر الإخوة الرجال وتزوجوا فلم يعد للأخت مكان بين الزوجات، فقررت أن تهجر قريتها الصغيرة للمدينة الواسعة، متصورة أنها ستكون أكثر حناناً عليها من إخوانها وزوجاتهم.

وفى إحدى الضواحى الهامشية فى المدينة وببعض من مدخراتها، وجدت حجرة سكنتها، وخلال جولاتها اليومية للبحث عن عمل تعرفت على شاب يقرب من عمرها أو يزيد قليلا، وزاد التعارف فصارت صداقة ثم حباً لأول رجل تعرفه، كان حديثه لها أجمل من أغانى حسن الأسمر وأعذب حتى من صوت حليم.

لم يكن بينهما حوار ولكنه كان صوتا واحدا، صوته يتحدث وهى تسمع، حدثها عن الدين والحب والسياسة والحزب الوطنى وحكى لها عن أفغانستان واغتيال السادات.. حاولت سيدة أن تفهم كل ما كان يقول فلم تفلح، فحاولت فهم بعض ما كان يقول ولم تفلح، فقررت أن تسمع وتسمع فقط وتوافق على ما يقول. طلب منها أن ترتدى الحجاب فوافقت، وحين قرر أن يتزوجها كان يوم دخولها الجنة، فأخيراً ابتسمت لها الأيام وأصبح لاسمها معنى ولأنوثتها قيمة، وجمعتهما غرفتها زوج وزوجة، رسمت سيدة صوراً لأيامها المقبلة التى لم ترها أبداً، فبعد أيام قليلة من العسل اختفى الرجل واختفت معه قسيمة الزواج ومال قليل كانت قد جمعته من عملها وبعض مصاغ كان لأمها ونجا من براثن زوجات الإخوة.

بحثت عنه فى كل مكان فلم تجده، أشار عليها جيرانها بأن تذهب لأهله، فتذكرت فقط فى تلك اللحظة أنها لم تعرف له أهل، فأشار عليها أولاد الحلال أن تذهب لتقدم بلاغاً فى قسم الشرطة للبحث عنه، فلم تجد له صورة ولا اسم ثلاثى تكتبه فى محضر الغياب، دارت ولفت حتى تعبت ولكنها لم ترد أبداً أن تصدق أنه سرقها وهرب مهما حاولت السيدات التى تعمل لديهن أن يقنعوها بذلك حين عادت لتساعد فى خدمة البيوت.

وأمام أحد الشرفات وقفت سيدة تقطع جريدة لتنظف بها الزجاج فى بيت من عدة بيوت تخدم بها، وفجأة بدأت تصرخ وظلت تصرخ حتى أتت سيدة المنزل فزعة تسألها عما حدث، فطلبت منها سيدة أن تقرأ لها الكلمات المكتوبة تحت صورة شخص تشير له، فكان العنوان «الإرهابى المشترك فى حادثة ميدان التحرير....هارب».

هذه هى الحكاية التى نشترها عام 1999 فهكذا كانت نهايتها بالنسبة لى أو هكذا ظننتها، ولكن كما سبق وقلت لكم أن القدر يخط بقية حكاياتنا حسب يده لا حسب تصوراتنا، فها هى البقية.

فى يوم من العام الماضى فى إحدى المظاهرات المعارضة لمرسى وللإخوان، خرجت كغيرى من الآلاف والملايين الذين يخافون من سرقة الوطن التى تتم جهارًا نهارًا، وبينما أنا أتحرك مع غيرى غمرنا الدخان والطوب الذى تلقيه علينا قوات مرسى وعشيرته، فبدأنا نجرى متفرقين هنا وهناك، فإذا بى أجد نفسى فى مواجهة سيدة منتقبة تجرى إلى جوارى وللحق ومن فرط الاستقطاب وعدم اليقين من شىء نظرت إليها بريبة وخوف، فقد تكون من الطرف المعتدى علينا وخصومة نساء هذه الجماعات فيها عنف يتساوى بل قد يزيد على عنف رجالهن، فبدأت أجرى بعيدا عنها غير أنها نطقت باسمى وجذبتنى من يدى لتغطى وجهى بجزء من خمارها الذى كشفت به عن وجهها حتى أتعرف عليها ولا أخافها، فكانت المفاجأة أنها سيدة صاحبة الحكاية التى ظننتها انتهت.

وكان السؤال منذ متى تعرف سيدة المعارضة وتخرج فى مظاهرات وهى المرأة البسيطة المخدوعة، وما حكاية النقاب، مئات من الأسئلة أمطرتها بها ونحن نحاول الاختباء سويا من الدخان والطوب، ولكن تلك حكاية أخرى طويلة.

البقية الأسبوع القادم





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

yasser

سوء الحظ او الجهل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة