مُخالفًا كل الأفكار التقليدية فى عقولنا عن الطقوس والأجواء الهادئة، التى يجب أن يعيشها الفنان ليواتيه الإلهام، يخطف نظرك بجلسته وسط صخب المارّة وضجيج السيارات، يرسم بهدوء وكأنه لا ينتمى لهذا العالم المحيط به.
تراه جالسًا وسط جمال عبد الناصر، وأنور السادات وتلمح قربهم صدام حسين، ثم يخطفك جمال سعاد حسنى، وشادية وضحكة إسماعيل ياسين، تقترب أكثر فتكتشف أنها لوحات متقنة الرسم، ثم تقترب فترى توقيع "محمد نجيب".
شاب فى العقد الثالث من العمر، اكتشف موهبته صدفة، بعد أن تعرض لحادث اضطره للجلوس فى المنزل، ولكن الدنيا بخلت عليه بترف أن يملك مرسمًا أو معرضًا لرسومه، إلا أن ذلك لم يثنه عن التمسك بموهبته، التى أصبحت مصدر دخله الوحيد، بعد أن تسبب الركود الاقتصادى بعد الثورة فى إغلاق مصنع الحلاوة الطحينية الذى كان يملكه.
يقول محمد "فى الزمن اللى إحنا فيه دا ماحدش بيكتشف حد"، فقرر أن يرسم لوحاته ويعرضها فى حى الحسين، ولكن الاشتباكات المتكررة، اضطرته للرحيل من الحى الغنى بالحركة والزوار والسائحين، إلى حى المهندسين مؤكدًا أن "أخر لوحة رسمتها فى الحسين كان عليها دم واحد بسبب خناقة".
لا يملك محمد حسابًا على أى موقع إلكترونى، ليستخدمه مثلاً فى الدعاية لنفسه، ويقول "ما عنديش وقت أقضيه على النت ولا عندى كمبيوتر، أنا شغلى بإيدى ومابلحقش أنام، برسم فى الشارع وفى البيت.. برسم أكتر من 18 ساعة، ويادوبك بنام، ومافيش حد بيساعدنى غير ربنا".
زبائن نجيب قليلون، ويقول "كل الناس عايزة تترسم لكن لما تقولى لها على السعر تمشى، رغم أن السعر أقل بكتير من أسعار اللوحات فى أى جاليرى".
قطع حديثنا عن الزبائن قدوم أحدهم، يرتدى بذلة أنيقة فاستأذن محمد ليحدثه، كان زبونًا جاء ليرى اللوحة التى طلبها، وأعطاه بعض الملحوظات الفنية وطلب تعديلها، وانتبه للكاميرا فاقتربت أسأله عن سر لوحة الفتاة التى طلب رسمها، خمنت أنها ربما خطيبته أو زوجته ويعد لها مفاجأة، خاصة بعد أن رفض تصويره فى المكان، فأجابنى بتردد "آه خطيبتى بعملها هدية"، ولكن محمد كشف مفاجأة بعد مغادرة "الزبون"، حيث أكد أنه صاحب أحد المعارض يطلب منه لوحات بدون توقيع، ليبيعها لزبائنه هو، يشتريها بسعر قليل ويبيعها بسعره، بعد أن يضع توقيعه عليها.
أكد محمد أنه أنهى اليوم تعامله معه وقرر ألا يبيع مجهوده لأحد أبدًا، ربما لأنه شعر ببادرة أمل بأن هناك من سيسمع عنه يومًا وسيتغير حاله!
سألت محمد عن الزبائن الذين لن ينساهم أبدًا، فحكى عن "حصان بتاع واحد سعودى رجله مكسورة جابوه فى عربية، وطلبوا منى أرسمه، وبعد ما رسمته أخدوه فى العربية تانى ومشيوا بيه".
ليقع فى فخ "بلطجة" من نوع آخر..
محمد نجيب رسام الشارع.. رحل من الحسين بسبب البلطجة
الثلاثاء، 28 مايو 2013 01:00 ص