يكفى أن تنظر إلى أعينهم بدقة لتجد الإجابة عن كل ما يدور بداخلك من تساؤلات، كيف يرون الموت هينا، كيف يخاطروا بحياتهم بهذه السهولة وهل فى الحياة ما يستحق أن يضحى الإنسان بنفسه بهذه الطريقة.. فقط هم المسطحين على قطارات الموت يملكون الإجابة والسبب والدافع وراء ما تعودوا عليه، والذى يصيب الآخرين بالدهشة على بعد أمتار حينما يشاهدونهم متراصين فى نهاية القطار، أو حتى بحثوا عن مكان بين العربات وبعضها، المسطحين على القطارات ومن المغامرين بحياتهم لدى كل منهم أسبابه الخاصة، التى دفعته لذلك فكل منهم لديه قصة أكثر تشويقا من غيره كل منهم يملك وجهة نظر خاصة فى ذلك، فعلى الرغم من أنهم يعلمون أن فى النهاية سيفارقون الحياة إلا أن كل منهم له فلسفته الخاصة فى تقبل الموت بصدر رحب وابتسامة تزيد المتسائل حيرة، كيف يفعلون ذلك، الفقر هنا ليس هو الدافع الوحيد وراء تصرفهم هذا.
"أحمد حسن وشهرته أحمد البنهاوى" والذى يبلغ من العمر 30 عاما يعمل موظف فى إحدى شركات القطاع الخاص، أحمد من ركاب السبنسة يقف فى مؤخرة القطار على قطعة حديد رفيعة جدا، بجواره 3 أشخاص آخرين، يحكى لـ" اليوم السابع" عن تفاصيل مغامراته اليومية فى التعلق على القطار حيث يقول "أنا اعمل موظف فى إحدى شركات لقطاع الخاص وأحمد لله الأمور المادية مستقرة إلى حد ما".. وإذا كانت الأمور هكذا فلماذا تعرض حياتك للخطر؟ هذا السؤال الذى أجاب عنه أحمد باسما "الجميع يعلم حالة القطارات من الداخل ففضلا عن الزحام الشديد إلا أن لا يوجد إضاءة أو كراسى أو أى شىء، فلماذا أدفع أجرا عن شىء لم أستفد به فالحكومة لا تقدم لى أى خدمات حتى أقدم لها أجرا، فأنا فى الحقيقة أرى إنها لا تستحق هذه الأموال التى يدفعها المواطنين الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم.
أما عم سليم، فهو قد عشق التسطح على القطار عن ظهر قلب، فطوال العشر سنوات الماضية يفعل الشىء نفسه، دون كلل أو ملل، إذا كان ذلك طريقه السفر من الإسماعيلية إلى القاهرة فى الصباح أو حتى فى طريق العودة إلى الإسماعيلية، عم سليم صاحب أربعة أولاد، فى مراحل التعليم، وراتبه الذى بتقاضيه عن مهنة العامل فى إحدى الشركات لا تجعله قادر على تسديد ما يتطلب منه، وقضاء متطلبات عائلته، لذلك يرى أن التسطح على القطار هو الحل الأمثل لتوفير هذا المبلغ لجلب كيلو فاكهة لأولاده كما يقول عم سليم الذى بلغ من العمر 50 عاما.
ويضيف: أنا أتسطح على القطر منذ سنوات طويلة، وحدثت أمام عينى حوادث أشكال وألوان، وأحيانا كنا نجد فى متعلقات من سقطوا من على القطار أموال كثيرة تمنعهم من الركوب بهذا الشكل، ولكن حكمة ربنا بقى وغباوة الإنسان.
هكذا علق ساخرا عم سليم على تلك المشاهد ويستكمل حديثه: زمان كنت أخشى من الموت ولكن الآن بعد كل الحوادث التى تحدث حولنا نرى الموت فى كل مكان، وأيقنت أن داخل القطار لن يختلف كثيرا عن التسطح خارجه ففى النهاية الموت واحد.
عم سليم: "أركب فوق القطر أركب جوه القطر.. هموت يعنى هموت"
السبت، 25 مايو 2013 12:59 م