بعيداً عن الحدود السوداء التى رسمها إطار نظارته، تمتد حدود حياته ممتلئة بذكريات زمن لم يراه من قبل واكتفى بتسجيل تفاصيله فى إدراج حياته المزدحمة بحكايات "الفن الجميل"، لمن لا يعرفه فهو من تبقى من "ريحة" الشيخ إمام حامل راية النضال بكلمات "عم نجم" وريشة العود التى استند إليها فى ليالى الزنازين الباردة، لم تكن سنوات عمره تتجاوز الثامنة عشر عندما بدأت رحلة حياته فى الاقتران بـ"عم الشيخ" كما يطلق عليه فى حديث لا ينقطع عن تاريخ زمن ظل الشيخ "علاء إبراهيم" آخر تلاميذ "الشيخ إمام" محتفظاً به فى مشاهد متعاقبة، سجلها فى عقله وعاش لتخليدها كما تعلمها على أيدى "عم الشيخ"، نظراته السوداء وصوته العميق وشعره الذى شابه بياض السن وتفاصيل أخرى ظلت محفورة على حياته، هى ما تبقى له من أيام "عم الشيخ" التى عشق تفاصيلها وحفظها عن ظهر قلب، لم ينسى يوماً كان فيه الحديث عن "عم الشيخ" كافياً للذهاب وراء القضبان بلا عودة، ولم تغيب عن ذاكرته جلسته الأولى فى "حوش آدم" بصحبة "عم الشيخ" وعمنا "نجم" يستمع لنبوءاتهم السياسية الصادقة، وكواليس تراث غنائى اختار الشيخ "علاء" تخليده مهما كلفه الأمر.
"علاء الدين إبراهيم" أو الشيخ "علاء" هو من يتبع اسمه لقب "آخر تلاميذ الشيخ إمام"، خرج من عباءته المليئة بأحجية الساحر والنبوءات، التى صدقها، وقرر نقلها لمن حوله، حياته البسيطة تقع فى حدود المدرسة التى يعمل بها محفظاً للقرآن الكريم، وبين مسارح "الإنشاد الدينى"، أما التفاصيل الأخرى فيجسد فيها الشيخ "علاء" حياة رجل كان له الفضل فى تغيير حياته بنفس الطريقة التى حفر بها لون متفرد من ألوان النضال بعود وكلمة، أغانيه يحفظها الشيخ "علاء" عن ظهر قلب وتفاصيل أحاديثهم الطويلة، هى ما لا يكف عن ترديدها فى جلساته مع تلاميذه فى صفوف الإنشاد، التى بحث فيها عمن يشاركه حلم تخليد تراث "الشيخ إمام" فى فرقة كونها بصبر وأطلق عليها اسم "الأولة بلدى".
"ماكنش راجل عادى، كان له رؤية خاصة، بالنسبة لى الشيخ إمام هو روح المواطن المصرى الأصيل"، مبتسماً كما اعتاد عند حديثه عن "عم الشيخ"، يتحدث الشيخ "علاء" لـ"اليوم السابع" عن التفاصيل التى دفعته لتكوين فرقة "الأولة بلدى" لتخليد تراث "الشيخ أمام عيسى"، ويقول: "الحكاية بدأت بزيارة للشيخ فى منزله فى حوش آدم، فى الوقت الذى كان فيه السلام على الشيخ إمام أو عم نجم يودى السجن، ما كانوش بيخافوا من حد، المهم يوصلوا الكلمة مهما كان التمن، علمنى أزاى أفكر وأزاى أدافع عن حقى ومبدأى وما أخافش من حد".
أما عن فرقة "الأولة بلدى" التى أهداها الشيخ "علاء" لروح "عم الشيخ"، يقول: "بعد وفاته عكفت على البحث عن أصوات لغناء ألحان الشيخ إمام، لم تكمن صعوبة الأمر فى العثور على أصوات تصلح، بل كانت فى العثور على من يؤمن بالفكرة التى عاش "عم الشيخ" لإثباتها، كررت المحاولة بعد الثورة أكثر من مرة، حتى نجحت فى العثور على مجموعة من الشباب المؤمنين بما أحاول توصيله، وكانت البداية بأغانى الشيخ أمام وكلمات "عم نجم" الذى بكى عندما سمع الفرقة للمرة الأولى.
لم يعتد الظهور على المسرح أمام العدسات، اكتفى بالوقوف جانباً ليسمع بقلبه أداء الفرقة التى اختار أعضائها بعناية، لا تكف شفتيه عن ترديد الأغانى معهم، ولا تكف يديه عن إعطائهم الإشارات، لم يرى يوماً أن "الفن حرام" كما يقول البعض على حد تعبيره.
"الكلام ده لو ماتغناش أمال إيه اللى يتغنى" هى العبارة التى يرددها دائماً فهو لا يرى فى كلمات عم الشيخ" أو ألحانه ما يدعو للامتناع عنه ولا يعرف الحرام سوى فى البذاءة وانحطاط الكلمة كما يوصف حال "المغني" بعد انتهاء زمن الفن الصادق الذى عاشه وحمل رسالة استمراره بروح "زمن عم إمام ونجم"
من "ريحة" الفن الجميل.. الشيخ "علاء" آخر جنود النضال "بريشة عود وكلمة"
الثلاثاء، 21 مايو 2013 04:25 م