حارة اليهود الصغرى بتونس.. حكاية تعايش بطعم الوطن

الخميس، 02 مايو 2013 02:28 ص
حارة اليهود الصغرى بتونس.. حكاية تعايش بطعم الوطن صورة أرشيفية
(الأناضول)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على بعد مئات الأمتار من أقدم المعابد اليهودية فى إفريقيا، ترجّلنا فى دروب "الحارة الصغرى" الضيقة تحت أشعة شمس بدت ساطعة كعادتها وككل أواخر ربيع فى الجنوب التونسى، فعلّها هى الشمس الزوال التى حجبت عنا ملاقاة أهل الحارة، وهم يتجولون فى طرقها، لقد كانت كل ّ المحلات مغلقة كحال كلّ المنازل التى صدّتنا أبوابها الزرقاء عن من فيها.

قررنا العودة من حيث دخلنا "الحارة" ووقفنا عند مدخلها نترصد مرور شخص علّه يشفى شغفنا ويدلّنا عن أحد يهود الحارة.

لم يكن شعورا عادّيا الذى غمرنا ونحن ننتظر وسط مكان "غريب "صامت لم تسبق لنا زيارته، شعور تقاسمه الترقب ونحن نطالع لوحة زرقاء معلّقة عند الباب التاريخى للحارة كتب عليها "نهج القدس".

وعلى بعد أمتار قليلة من معبد الغريبة اليهودى الضارب فى القدم، وجدنا متجرا لم تغلق أبوابه، فكان لقاء خاطفا مع صاحبه مروان (شاب فى ربيعه الرابع والعشرين) استفسرنا منه عن الصمت الذى غطّى أركان الحارة التى عادة ما تحتفى خلال هذه الأيام من كل سنة بقدوم اليهود من مختلف إلى حج إلى معبد الغريبة.

أرجع مروان الشاب المسلم فى الحارة التى يقطنها غالبية يهودية، هذا الصمت المخيم الى العيد الأسبوعى لليهود، إنه السبت يوم عطلة تتوقف فيه الأشغال وتطفؤ الأضواء إلى ما بعد غروب الشمس " كما أنهم يركنون فى بيوتهم ولا يخرجون إلا مساء".

هكذا تحدث الشاب وهو يتنقل نشطا داخل المتجر يمنة وشمالا دون توقّف كحال كل تجار جزيرة جربة المتعارف عليهم بحذقهم الكبير للتجارة التى ورثوا "أسرارها " عن يهود الجزيرة فهم يسيطرون بمحلاّت الصياغة (بيع الذهب) على أهم ركن فى سوق الجزيرة، كما أن فنادقهم اللا متناهية بالمنطقة السياحية تستقطب ملايين السياح من مختلف دول العالم لاكتشاف الجزيرة الأكبر فى شمال إفريقيا.

صاحبنا مروان الذى استقبلنا بفرح دخل متجره تجاذبنا معه أطراف الحديث عن علاقته بيهود الحىّ، يقول "إن العلاقات الاجتماعية معهم تطورت بشكل كبير على مرّ الأيام لقد باتت تربطنا علاقات طبيعية تلاشت بموجبها الانتماءات الدينية فكل حرّ فى اعتقاده ولكن ما يجمعنا الانتماء لتونس وخاصٌة لهذه الحارة التى كبرنا فيها مع أبناء العم بيريز والخالة سعيدة وغيرهم".

مراون الذى لم يخف عتابه على عدد من عائلات يهودية تقطن "الحارة الكبرى" بحومة السوق (على بعد ١٠ كم) بسبب "تكبّرها"، وصف العائلات اليهودية التى تقطن" حارته الصغري" حوالى (٢٠ عائلة) بالاجتماعية التى آثرت البقاء فى الحارة على عكس عائلات أخرى سافرت إلى أروبا وإسرائيل.

وعند العودة إلى وسط الحارة تمكنّا بمساعدة شابة مسلمة من زيارة عائلة صديقتها الشابة اليهودية عزيزة حنية فى بيتهم.

وفى مكان كان عاديا، أركان البيت، زينته، نقوش أبوابه التى لا تختلف عن أبواب كل بيوت التونسيين إذ يعتقدون أنها تُذهب العين والحسد، استقبلتنا عزيزة وأمها وأبوها خضير الذى يشرف على العناية بالمعبد بعد أن ورث ذلك عن أبيه بشئ من قلق سرعان ما تبدّد مع تطورات الحديث.

لا تختلف عزيزة الشابة المتخرجة منذ سنوات على سائر التونسيين هى خريجة كليّة الاقتصاد مازالت تترصّد ككل الشباب التونسى فرصتها فى الحصول على شغل محترم.
تترشف الشابة العشرينية الشاى على مهل وبدت كأنها مستعدة للأسئلة التى سنطرحها وكان من البديهى أن يتراود إلى ذهنها رغبتنا فى معرفة علاقتها كيهودية بالغالبية المسلمة فى بلدها، فهى لا تختلف عنهم كثيرا فى الشكل والمضمون انتماء للوطن، حدّثتنا عن علاقتها الوطيدة بالتونسيين المسلمين سواء فى الحى أو المدرسة أو حتى الجامعة تصف حياتها بالطبيعة مع باقى التونسيين.

عزيزة تتذكر جيدا لحظات مفصلية فى حياتها وتسترجع معنا فى شرود حينا وابتسامة عميقة أحيانا حدثا وصفته بالفاصل حين خلت الشوارع التونسية من الأمن والاستقرار إبان اندلاع الثورة فى بلدها فأقدم تونسيين مسلمين من شباب لجان الأحياء (متطوعون) بحراسة الحارة وحمايتهم.

لقد تفاجأت أكثر عندما تعرضنا فى سياق الحديث إلى الشأن السياسى إذ أكّدت عزيزة أنها انتخبت حزب حركة النهضة كمعظم يهود "الحارة" فى حين تدخلت أمّها سعيدة لتؤكّد قناعتها بانتخاب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذى ينتمى إليه محمد المنصف المرزوقى الرئيس التونسى.

"إنهما حزبان محافظان ليسا ضدّ الاعتقاد الدينى وينبذان التطرّف العلمانى والانحلال الأخلاقى فنحن اليهود نتشارك مع المسلمين فى هذه النقاط" على حد تعبير الابنة وأمها.

زادت الدهشة عندما تكلمت عزيزة عن علاقتها الودّية مع "سلفيين" درسوا معها فى مدارج الجامعة.

لقد كان الحديث شيقا مع عائلة عزيزة بالرغم من منعنا تصويرهم لما تعتبره حراما فى ديانتها اليهودية، تحاورنا حول تعايشهم مع مسلمى الحارة التى يقطنونها، فالعلاقة تجاوزت الاعتقادات الدينى وترسّخت فى عمق الروابط الاجتماعية التى تتعزز بالزيارات المتبادلة فى الأعراس والحفلات وحتى الأعياد الدينية.

سلّمنا على العائلة وهممنا بالخروج، لقد كانت عزيزة من خلفنا تشير الى بيت جارهم تروى أنه مسيحى الديانة، قبل أن تضيف :"فلم يبق للأسف سوى ثلاث عائلات مسيحية تسكن حارتنا.

وتابعت "لقد غادروا بطواعية نحو أوروبا بحثا عن تحسين مستوى عيشهم المادّى لا غير"، قبل أن يقول لسان حالها وهى تودعنا إن "حارة اليهود حكاية تعايش بطعم الوطن".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة