قال إتش إيه هيلر، الخبير بمعهد بروكنجز الأمريكى، إنه على الرغم من مرور أكثر من عامين على نزول المصريين إلى ميدان التحرير لأول مرة، ومرور عام تقريباً على انتخاب أول رئيس فى فترة ما بعد مبارك، إلا أن الثورة التى دعوا إليها لا تزال مستمرة، ويتساءل كثيرون حول جدواها، وما إذا كانت تستحق هذا العناء.
ويضيف "هيلر" فى مقال له منشور على الموقع الإنجليزى لـ "العربية نت" إنه مع استمرار الاحتجاجات والحملة الجديد التى تسعى إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة من أجل انتخاب رئيس جديد يحل محل من يشغل المنصب فى القصر الرئاسى الآن، فإن هذه مسألة تستحق التـأمل، لكن يظل هناك افتراض قائم فى المسألة نفسها.
ويشير الكاتب إلى أن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت فى بدايتها دعوة للتغيير بالوسائل السلمية، وهذه الدعوة لم تكن اختياراً، بل كانت حتمية نظراً لاحتياجات البلاد، فوضع المصريين وحالاتهم فى هذه الفترة لم تكن شيئا محتملاً مضطرين له، وبعيداً عن الرؤية لتاريخية، فإن مصر فى ظل مبارك لم تكن بيئة صعبة، بل كانت أشبه بحلة الضغط، فعند مرحلة معينة، كان يجب أن تتغير بطريقة أو بأخرى، وكان السؤال هو متى يتم تغيير النظام وليس هل؟.
وبلا شك، فإن الحركة التى تطورت منذ هذا اليوم أرادت التغيير عبر الوسائل السلمية، وكان هذا اختيارها، لكنه لم يكن اختياراً مستمراً مع الهجمات التى جاءت بعدها عليها، والتى أجبرتهم على الرد، وهذا أيضا لم يكن خياراً.
لكن كيفية الرد كانت محل اختيار، وفى هذا الوقت، يشير "هيلر" إلى أن توقع تماما أن يكون الرد عنيفا للغاية، لأن هذه هى الطريقة التى تم التعامل بها مع المصريين غالباً، ولا يمكن توقع أن تسفر صدمة مثل هذه الخبرة الطويلة عن صدمة أقل.
غير أن هذه لم تكن الطريقة التى تطورت بها ثورة يناير، بل إنها خلقت ظاهرة غطتها وسائل الإعلام فى ميدان التحرير، وألهمت الناس فى جميع أنحاء مصر والمنطقة والعالم، وهذه الظاهرة العضوية كان لها مبادئها وثورة ولدت من رحمها، وكيف تكشفت تلك الثورة كان خياراً، لكن تطورها لم يكن كذلك، بل كانت نتيجة حتمية.
ومن هذا المنطلق، يقول خبير "بروكنجز"، كان أمام المصريين خيار آخر، وهو كيفية الانخراط فى الثورة، فبإمكانهم الانخراط فيها بالضغط من أجل التغيير الإيجابى أو التزام الصمت؛ ومن الناحية الأخلاقية، لا يمكن أن يدافع المصريون عن الوضع قبل الثورة.
ويذهب البعض إلى القول بأن الوضع فى ظل مبارك كان أفضل بكثير، أكثر إيجابية مما هو عليه الآن، وهذا يقلل بشكل يرثى له من تقييم الوضع حينئذ، فضلا عن أنه يفشل فى إدراك أنه أيا كان ما ظهر من هذه أنقاض مبارك لم يكن ليظل دائما بلا عيوب.
وهذا يأتى بنا إلى الحاضر، إلى مصر التى أدت أول انتخابات رئاسية فيها إلى وصول الإخوان المسلمين على الرئاسة، ويقول "هيلر" إنه من الممكن أن يحمل المرء الثورة مسئولية هذا، لكن لو كانت المسألة هى تقسيم اللوم، فلماذا لا يتحمله فقط من انتخبوا مرشح الإخوان محمد مرسى بدلا من أحمد شفيق؟ ألا يمكن إلقاء اللوم على هؤلاء الذين ساندوا شفيق فى الجولة الأولى ليجعلوه المنافس الذى يخوض السباق أمام مرسى فى جولة الإعادة، ألا يمكن إلقاء اللوم على من قسموا الأصوات بين من زعموا أنهم يريدون تغييرا إيجابيا من هذه الثورة، وربما يمكن أن نلوم مبارك نفسه لأنه حكم بمثل هذه الطريقة التى أفرزت تلك المرشحين وليس آخرين أفضل منهم.
ويرى الكاتب أن هذه طريقة ليست شعبية فى التفكير لأنه لو أننا تابعنا نهايتها المنطقية، فعلى المرء أن يسأل: "ألا يمكن أن نلوم المصريين لأنهم ساعدوا وحرضوا المجتمع بشكل جعل الثورة لا مفر منها".
ويؤكد "هيلر" على ضرورة فهم حقيقة تلك المسألة، لأننا حينها سنفهم ما هى الثمانية عشر يوماً التى قضاها المصريون فى ميدان التحرير، وما هو ضرورى الآن.. فتلك الأيام فى التحرير وميادين مصر الأخرى كانت لحظة فتحت المجال أمام المجتمع المصرى ليتحرك، وخلقت اتجاها أيضا لهؤلاء الذين آمنوا بالمجتمع الصغير الذى نشأ فى الميدان، ومنح الاختيار لكل المصريين.
ويرى أن الكثير من المصريين لا يزالون عاجزين عن فهم الحقيقة الخطيرة للغاية بأن هذا الحكم بكل إخفاقاته وعدم كفاءته وعيوبه، يفعل تحديداً ما هو متوقع، بل إنه من غير النضج أن نتوقع أنه سيفعل شيئا آخر، لأنه السلطة تفسد بالتأكيد، والفساد لا يفسد فقط من فى السلطة ولكن أيضا من عانى من صدماتها.
وما أصبح طبيعياً وعادياً كان ليكون بغيضاً فى الأيام الأولى للثورة، كالعنف والقسوة، تماماً مثلماً يحدث عندماً تتحرر الروح المعذبة وتُمنح سلطة.
ويرى الكاتب أن الثورة المصرية كانت خارقة ليس لأنها أسقطت مبارك الديكتاتور الذى ظل يحكم ثلاثة عقود، ولكن لأنها تجاوزت كل التوقعات فيما يمكن أن تصبح عليه حركة احتجاجية، وهذه اللحظات التى هزت التاريخ وذكّرت المصريين بأفضل ما فيهم، فإنه من المهم أن نتذكر هذه اللحظات لأنها كانت دليلاً حياً على ما يمكن أن يكون.
ولا يزال الناس داخل مصر وخارجها يسألون ما الذى يقاتل من أجله المصريون الذين يؤمنون بالثورة؟ وهل الثورة تستحق؟؛ وهذا السؤال يفترض أنه كان هناك خيار، لكن إحداث الثورة لم يكن مسألة اختيار.
ومع تساءل حكام مصر الجدد وكثيرين داخل البلاد وخارجها عن أسباب استمرار الثورة، فإنهم فى حاجة لأن يسألوا هذه الأسئلة: "ما الذى يدفع المصريين إلى الاحتجاج؟ وهل تم التعامل مع أهداف الثورة بمحل الجد، وهل تم وضعها فى مقدمة السياسة العامة لمصر؟".
وختم هيلر مقاله قائلاً: عندما يفعلون ذلك، سيدركون أن المسألة لم تكن تتعلق بأن الثورة تستحق أم لا،ولكن هل كان ممكنا أبدا ألا تستحق القتال من أجلها.. لقد جربت مصر هذا المسار بالفعل والنتائج واضحة، وقد فاز المصريون بالحق فى فرصة أخرى".
خبير معهد بروكنجز الأمريكى: ثورة 25 يناير لم تكن "خياراً" بل كانت "حتمية".. ومصر فى عهد "مبارك" كانت أشبه بـ "حلة الضغط".. ويؤكد: الفساد لا يفسد من فى السلطة ولكنه يفسد من عانى صدماتها
الأحد، 19 مايو 2013 11:59 ص
أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة