أكد ستيفين كوك، الخبير المتخصص فى الشأن المصرى بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، أن عملية الأسلمة تمضى فى طريقها فى مصر، وكذلك فى تونس، مثلما حدث فى تركيا منذ أن تولى الحكم فيها الإسلاميون.
وقال كوك فى مقال له بمجلة "ذى أتلانتك" الأمريكية، إن التعديل الوزارى الأخير الذى تم فى مصر قد أكد أسوأ مخاوف المعارضة التى أثارت القلق من أخونة الدولة، ولكنه يرى أنه بالرغم من أن زيادة تمثيل الإخوان فى الحكومة يدعو للقلق بالنسبة للعلمانيين والليبراليين فى مصر، إلا أنهم يجب أن يكونوا معنيين بعملية أهدأ، لكنها أكثر إثارة للقلق، وهى أسلمة المؤسسات السياسية لمصر، والتى ستكون على الأرجح أكثر استمراراً من قبضة الإخوان على السلطة السياسية.
ويشير المحلل الأمريكى البارز إلى أن هذه الظاهرة لا تحدث فى مصر فقط، فالسلطة الإسلامية وأسلمة المجتمع هى ما يخبئه المستقبل لمصر وتونس وسوريا ما بعد الأسد، ودول أخرى محتملة فى المنطقة.
ونظراً لأن الأدلة الملحوظة على الأسلمة فى الشرق الأوسط قليلة ومتباعدة، إلا أن فكرة الأسلمة هى مسار المنطقة الذى يبدو أنه فى غير محله. فالإخوان المسلمين فى مصر وحركة النهضة فى تونس لم يعلنا تحريم الكحول ولم يجبرا النساء على ارتداء الحجاب، أو يقوما بتطبيق الحدود. وفى مصر، أثناء افتتاح فندق إسلامى فى مدينة الغردقة لا يقدم الكحوليات ويخصص طابقاً للنساء فقط جدلاً كبيراً، فقط لأنه لم يكن هناك الكثير من الأحداث مثل هذه، ويميل المراقبون على نسيان واقعة منع أصحاب فندق جراند حياة تقديم الكحول فى عهد مبارك.
ومع ذلك، فإن حقيقية أن المصريين والتونسيين لا يزال بإمكانهم تناول الكحوليات لا ينبغى أن تكون مريحة، فلن تأتى لحظة، سيصدر فيها مرسوم على سبيل المثال من شانه أن يشير إلى أن البلد الشر أوسطى يجب أن يرتبط ارتباطا وثيقا بتعاليم الإسلام وقيمه.. لكن بدلا من ذلك، ستكون العملية أكثر بطء ودهاء يتم من خلالها أسلمة مؤسسات البلاد السياسية والاجتماعية.
ويوضح كوك أن هناك ارتباك كبير بشأن ما تعنيه كلمة "مؤسسة"، كما يمكن أن يكون هناك سوء فهم لمعنى أسلمة المؤسسات. وللتوضيح فإن المؤسسات ليست لها أبواب ومكاتب، فلا الأمم المتحدة ولا البنكك الدولة مؤسستان، لكن معهد بروكنجز على سبيل المثال مؤسسة، والمؤسسات لها أطر وتوجه سلوك المجتمع من خلال تأسيس الحوافز والمثبطات والقواعد.
وحتى الآن، فى مصر وتونس وتركيا، فاز الإسلاميون بما يعنى أن المؤسسات السياسية للدولة ستعكس وبدرجات متفاوتة أولويات الإخوان والنهضة والعدالة والتنمية، على التولى. وعملية أسلمة المؤسسات تعنى عملية يتم من خلالها دمج القوانين والقواعد والمبادئ الإسلامية فى القوانين الحالية أو أن تحل محلها. ومن خلال زرع العقائد الإسلامية فى جذور المؤسسات، فإن النخب الإسلامية تنشئ بيئة يلعب فيها الدين دوراً أكبر فى المجتمع بما فى ذلك المجالات التى لم يتم أسلمتها بشكل مباشر.
ويمضى كوك قائلاً إن كما قام به الرئيس الرحل أنور السادات من تغيير فى المادة الثانية من دستور 1971 لتصبح "الإسلام هو دين الدولة ومبادئ الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع، بعد أن كانت مصدر رئيسى للتشريع، مثّل خطوة فى الاتجاه نحو أسلمة المؤسسات السياسية فى مصر، والتى تناسبت مع كثير من الإجراءات التى اتخذها الرئيس الأسبق فى منتصف السبعينيات فى المجالات الثقافية والتعليمية والتى منحت دوراً بارزاً للدين فيها.
فأتاح الفرصة للإسلاميين لنزع شرعية الدولة على أسس دينية، نظراً للفجوة بين المتطلبات الدستورية للتشريع الإسلامى، وحقيقة أن أغلب القوانين المصرية لم تكن مرتبطة بالشريعة.. وقد مهدت المادة الثانية من دستور 1971، بعد تعديلها عام 1980، المزيد من أسلمة المؤسسات السياسية فى مصر بعد 33 عاما، فالدستور الجديد الذى تمت الموافقة عليه فى ديسمبر الماضى، يتضمن عددا من التجديدات التى تضع مصر بشكل واضح على المسار الإسلامى.
ويصل الخبير الأمريكى إلى فكرة مفادها أنه حتى لو ظل الكحول متاحا فى مصر، فهذا لا يعنى أن عملية أسلمة مؤسسات البلاد السياسية والاجتماعية قد فشلت. ويلفت إلى أنه فى تركيا هناك وفرة فى أنواع من النبيذ الأحمر والأبيض، وأصبحت البارات شيئا عاديا فى اسطنبول، وحتى مع ذلك، فإن أحد الأسباب التى جعلت حزب العدالة والتنمية ناجحا إلى جانب سجله القوى فى الاقتصاد هو قدرته على تهيئة بيئة يشعر فيها الأتراك بالتعبير بحرية أكبر عن هويتهم الإسلامية. وهذا جزء لا يتجزأ من الأسلمة الثابتة للمؤسسات منذ عقود عندما تولى العدالة والتنمية الحكم.
خبير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى يحذر من "أسلمة" وليس "أخونة" المؤسسات السياسية والاجتماعية فى مصر.. ستيفين كوك: الأسلمة بدأت فى عهد السادات واستمرت بالدستور الجديد
الثلاثاء، 14 مايو 2013 09:39 ص