ترك صخب ميدان التحرير خلفه متوجهاً إلى شارع قصر العينى، أمامه استقر الجدار العازل بأحجاره الضخمة معلناً عن رحلة جديدة من "التخريمات اليومية" للوصول إلى ناصية شارع "سعد زغلول"، انحرف يميناً متخذاً الطريق الذى حفظ تفاصيله طوال شهر ونصف جثمت خلالهما الجدران العازلة على أنفاس سكان محيط "القصر العينى" وميدان "سيمون بوليفار"، أحنى قامته للمرور من فتحة الجدار التى شقها الأهالى كمنفذ للخروج وانحرف إلى الشارع الذى استقر فى نهايته جدار آخر انتهى به إلى ناصية "دكانه الصغير" ذى البابين، نظر إلى الجدار الملاصق لمحله الصغير متنهداً، ثم انحنى لإزالة القفل على عجل، بحركة خفيفة أزال قفل المدخل الآخر للدكان المطل على ناصيتين، وبدأ فى استقبال وفود المارة داخل الدكان الذى تحول من "بقالة" عريقة إلى الممر الوحيد بين شارعى "سعد زغلول" و"قصر العينى" بعد أن وقف الجدار العازل فى منتصف الشارع تاركاً "عم محيى" لعناء "تنظيم المرور" داخل رقعته المستطيلة التى تحولت إلى "طرقة لكل من هب ودب".
"ممكن أعدى" هى الكلمة التى اعتادتها أذنيه طوال ساعات نهاره الطويل الذى استقر فيه جالساً خلف طاولته الخشبية بعيون أبقاها مستيقظة قدر المستطاع فى انتظار "زبون" من بين الوفود التى استغلت الموقع المميز لدكانه ذى البابين فى العبور من وإلى شارع قصر العينى للجهة الأخرى، تحت اللافتة التى تجاوز عمرها الأربعين عاماً هى عمر "مروان ماركت" الذى حوله الجدار العازل إلى "طرقة" جلس فيها "محيى مروان" صاحب المحل لمراقبة أيدى العابرين التى قد تلتقط ما يمكن التقاطه "وسط الزحمة".
"هنعمل إيه يا بيه.. مهو لو قفلت الباب الناس مش هتعرف تعدى وإحنا مش هناكل عيش" من بين زحام المارة داخل الدكان الصغير يتحدث "عم محيى" عن المحل الذى تحول إلى "طرقة" للمرور بعد أن استقرت الجدران العازلة تاركة الشارع كحارة سد لا يفصلها عن الشارع المقابل سوى "دكان عم محيى"، أشار برأسه مجيباً على إحدى المارة الذى استأذن للمرور ثم أكمل قائلاً: من أول ما حطوا الجدار بعد أحداث سيمون بوليفار، وأنا بقيت قاعد فى طرقة، أول يوم جربت أقفل الباب ما فيش ولا زبون هوب ناحية المحل، ما هم قفلوها فى وشنا يا بيه" يحكى "عم محيى" عن ما وصفه "بوقف الحال" الذى صاحب وضع الجدار ملاصقاً لدكانه..
قطع حديثه، ملتفتاً لإحدى الزبائن، ثم أكمل قائلاً: إحنا مع الثورة وكل حاجة، بس دلوقتى قفلوا علينا بالجدار وسابونا ومشيوا، فى أحداث مجلس الوزراء كانوا حاطين سلك، وكنا بنعرف نعدى، دلوقتى الجدار خلى المحل طرقة، مهو دا باب رزق ودا باب رزق هقفل يعنى فى وش الناس، يبقى لا هنبيع ولا هنشترى".
متنهداً على الحال "اللى وقف" على حد قوله، يتذكر عم محيى تاريخ دكانه الذى ورثه عن والده قبل سنوات طويلة، وكيف تحول فى غمضة عين إلى طرقة تسمح بمرور العابرين، بعضهم من يتوقف لشراء زجاجة مياه والبعض الآخر من يمر دون استئذان كمن وجد طريقاً وسط متاهة قد تدفعه للدوران حول نفسه، أما ما يعانى منه "عم محيى" فهى الأيدى التى تحاول التقاط البضائع التى رصها "عم محيى" خارج الدكان مستغلاً الجدار، ويقول "ساعات بلاقى ناس بتخطف وتجرى فى وسط الزحمة، وكل اللى داخل بيعدى والسلام، طب يا ريت يرحمونا من الضرايب مهو الحال واقف أهو، يا يشيلولنا الجدار ويسبونا نشوف أكل عيشنا".
دكان "عم محيى" ادخل برجلك اليمين واطلع برجلك الشمال..
بالصور.. جدارن قصر العينى حولت "المحل" لطرقة..لو عايز تعدى سلّم على "عم محيى"
الإثنين، 08 أبريل 2013 02:55 م
دكان "عم محيى"
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
akila
الى متى ؟