محمود ياقوت صبحى يكتب: أسباب انتشار صور جمال عبد الناصر

توفى الزعيم العربى جمال عبد الناصر ودفن جثمانه، وبرغم مرور ما يزيد عن اثنين وأربعين عاما على وفاة جمال إلا أن الشعب المصرى لم ينس الزعيم الراحل، والأغرب الظاهرة التى نعيشها الآن والتى تتمثل فى أن الأجيال الحالية لم تعش فترة حكم عبد الناصر، إلا أنها خرجت فى الشوارع لا تحمل صور عبد ناصر فقط وإنما تتساءل أين هو من يشبهه وأين هى مبادئ وقوة هذا الرجل الذى نهض ببلاده وسط الحروب والعدوان على مصر وعليه.

قد يفسر البعض انتشار صورة عبد الناصر وسط الشباب وعلى واجهات المحلات بأنها محاولات للكيد ضد جماعة الإخوان، الذين يكرهون ذكر اسم جمال عبد الناصر، بل وحتى أنهم يكرهون فترة الستينيات بسبب عبد الناصر، إلا أننا نعتقد أن الشعب المصرى بشكل خاص يبحث الآن عن شخصية ووطنية جمال عبد الناصر، لم يكن هدفه يتمثل فى أن يصل إلى الحكم أو سلطان أو أن يحصل على مغنم أو جاه، بل كان حريصا على تمكين المُثل العليا فى البلاد بعد أن افتقدته . لقد وضعت فى وجه جمال منذ اللحظة الأولى عقبات قاسية إلا أنه كان رجلا يتسم بالحزم، فلا ينظر إلى مصلحة خاصة لفرد أو جماعة، وإنما ينظر للمصلحة العامة للوطن والشعب وبهذا توطدت أركان الدولة واطرد تقدمها فى سبيل بلوغ غاياتها، حمل جمال الأمانة الملقاة على عاتقه بغية الوصول بمصر إلى بر الأمان مهما كلفه هذا من جهد وبذل. جمال عبد الناصر كان قائدا استمد قوته من الشعب المصرى الذى أحبه، وبرغم هزيمة 5 يونيو1967، وبمجهود خارق استطاع جمال عبد الناصر بناء وتعبئة الجيش المصرى، وبدأ حرب الاستنزاف، سجلت فيها القوات المصرية بطولات مشهودا لها، وظل حتى آخر ساعة يناضل لوقف نزيف دم الإخوة الفلسطينيين فى الأردن وإنقاذ ياسر عرفات وكأنه يسابق الزمن، فى وقت خذلته بلاد كانت تعتقد أنها دول، وكان يعلم أنه ليس كل من نصب خيمة ووضع عليها علما أصبحت دولة.
رحل جمال عبد الناصر فى سنة 1970، إثر أزمة قلبية حادة، عاش عملاقا ورحل عملاقا، وحتى بعد ثورته البيضاء، قامت الثورات فى سوريا والعراق وفى الجزائر والسودان وليبيا واليمن والدول الأفريقية، قامت على نفس مبادىء ونهج ثورة جمال عبد الناصر، رحل ورحلت معه أيام الزمن الجميل، أيام الثقافة والفن، ثقافة الإبداع التى كانت سفير مصر الحقيقى إلى العالم أجمع، كانت حقبة صراع غربى وشرقى وكانت تجربة بما لها وما عليها، رحم الله جمال عبد الناصر.