فى بداية أحداث الثورة التونسية، أرسلت وزيرة خارجية فرنسا المدعوة ميشيل اليو مارى، برسالة لبن على، تعرض عليه مساعدات أمنية فرنسية، ومن المؤكد أن وزيرة الخارجية الفرنسية، كانت تنقل فى هذه الرسالة إرادة الرئيس الفرنسى ساركوزى، ورئيس وزرائه فيون، لكن بعد فرار بن على، قدمت الوزيرة الفرنسية ككبش فداء بإقالتها من منصبها و تنكرت فرنسا لبن على، حتى أنها رفضت مع كل الدول الأوروبية مجرد هبوط طائرته التى أوشكت على السقوط منفجرة بسبب نفاذ الوقود بها.
فى عين ذات تلك المرحلة لم يكن تخلى الأمريكان عن الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، من قبيل التخبط الأمريكى أو الإرادة الأمريكية، بل إن من قالوا بأن نظام مبارك، طلب من الأمريكان العون، لم يقدموا أى دليل على ذلك ولو فعل لما صمت الأمريكان، بل على العكس لتباهوا وتفاخروا برفضهم لزيادة شعبيتهم فى الشارع المصرى، كما فعل الأوروبيون والفرنسيون والايطاليون من قبل مع بن على، وكان الأمريكان فى ذلك الوقت يتوقون شوقا لخلع مبارك، بل إن رغبتهم فى خلع مبارك جاءت منذ العام 2002 حينما رفض فتح الأراضى المصرية لشن حرب على العراق فى العام التالى، ولما كان الأمريكان قد فقدوا سلاحا هاما فى مواجهة مبارك، وهو الإسلاميين المتشددين الذين تم منحهم حق اللجوء فى الأراضى الأمريكية والبريطانية فى الثمانينات والتسعينات وذلك بعد تغير السياسات الغربية عامة والأمريكية خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 فإنهم لم يجدو بدا من تفعيل سلاح آخر ضد مصر، وليس نظام مبارك، وكان هذا السلاح هو سلاح التشهير بتقارير حقوق الإنسان.
ففى حين أنه لا يختلف اثنان على وجوب احترام حقوق الإنسان، فإنه لا يختلف اثنان عقلاء على أن قضايا حقوق الإنسان هى العصى التى أديرت بها وجهة العديد من دول العالم الثالث فتصمت تلك التقارير وتختفى تارة و ترتفع بصخب تارة أخرى.
ومن باب ربط الأحداث لتكتمل الصورة فإننا سنجد أن بعضا من دول الخليج تم تفعيل ذات السلاح ضده إما للضغط عليه، وإما لابتزازه إبان الأزمة الاقتصادية وإما لمقاصد أخرى أكثر عمقا وأكثر تشابكا، فإذا ما أدخلنا مصر "ذات الوزن الأكبر إقليميا" سنجد أن مصر الآن هى مصدر القلق الهادئ لحلفاء الأمس من أمريكان وأوروبيين وبعض دول الخليج العربي.
فيما يتعلق بدول الخليج العربي، فإن الكثير ممن قابلتهم من ساسة وأساتذة جامعات وسفراء تفوهوا أمامى بنفس الجملة وهى "كل أساتذتى فى طفولتى كانوا مصريون"، كذلك فإن الشعب المصرى قد حفر فى ذهنه أسماء لفيصل وزايد الذى أطلق اسماهما على أكبر شوارعه والعديد من منشآته بل ومدنه أيضا، وفى ذلك تلخيص لما يجمع الجانبين من علاقة، لكن الآن أصبح الخليج يخشى من مصر أن تصدر له الإخوان عن طريق التنظيم الدولى وأصبح يخشاها أكثر بعد فتح الباب مع إيران، ونرى ونسمع كل يوم عن فصول جديدة من المسرح المنصوب على صفحات الفيس بوك وتويتر حتى إن الأمر قد وصل للمسؤولين كى يشمرون عن سواعدهم ويهمون بالاشتراك عوضا عن الفرجة، بعدما كان اللاعبون هم العامة ومتوسطو الذكاء والذين تحركهم العواطف لا العقل ومن يستخدمون أسماء مستعارة.
أما عن الأمريكان، فقد اتضح جليا فى الأسابيع القليلة القادمة من تصرفات الساسة الأمريكيين قلقهم، بل وفى بعض الأحيان ندمهم على تواصلهم مع الإخوان المسلمين على الرغم من المكاسب العظيمة التى حققها تدخل الإخوان لصالح كل من الأمريكان وإسرائيل إبان حرب غزة الأخيرة، لكن يبقى الساسة فى واشنطن ينظرون بقلق بالغ لما يجرى فى الداخل المصري، إذ أن ما حققه لهم الإخوان فى القاهرة من مكسب متمثل فى تغيير موقف حماس قد ينقلب عليهم بوبال نكسة عظيمة فى حال انفجار الداخل المصرى مما سيهدد معه مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة.
أما عن الجانب الأوروبى فإنه يشارك الجانب الأمريكى نفس مخاوفه ونظرته لمصر الآن، لكن يضاف إليها توجس آخر بحكم قربه الجغرافى من مصر، ومعرفته بمشاكل سببتها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة فى مصر للأوروبيين مثل الهجرة غير المشروعة وما لها من وبال على الدول الأوروبية.
•رئيس المعهد الأوروبى للقانون الدولى والعلاقات الدولية – بروكسيل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
مبيفهموووووووش
عدد الردود 0
بواسطة:
بدر النوساني
مقال رائع جداً
عدد الردود 0
بواسطة:
توت عنخ امون
سارد بالنيابة عن لجان الخرفان الالكترونية