دخان 350 مكمورة يهدد قرى القليوبية بالموت ..أهالى قرية أجهور يتنفسون السموم ويعانون من الربو والسرطان.. ولاء تستيقظ على نوبات رضيعها و600 جنيه علاج أسبوعى لأم محمد.. و الموت يطارد عائلة عبدالرحمن

الأحد، 21 أبريل 2013 12:47 م
دخان 350 مكمورة يهدد قرى القليوبية بالموت ..أهالى قرية أجهور يتنفسون السموم  ويعانون من الربو والسرطان.. ولاء تستيقظ على نوبات رضيعها و600 جنيه علاج أسبوعى لأم محمد.. و الموت يطارد عائلة عبدالرحمن صورة ارشيفية
تحقيق - صفاء عاشور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..
قبل الفجر بقليل، تستيقظ «ولاء» مفزوعة على سعال ابنها الرضيع محمد، الذى أصابته نوبة جديدة من نوبات الربو المزمن، إثر تسرب دخان احتراق الأخشاب بمكامير الفحم إلى منزلهم الصغير بقرية أجهور الكبرى التابعة لمركز طوخ، بمحافظة القليوبية، وفى ثوان معدودة تحضر جهاز «الأكسوجين» لتوسيع الشعب الهوائية، وتسرع به إلى الصغير، الذى يتحول بكاؤه إلى حشرجة مكتومة، ويتحول لون وجهة إلى الأزرق، تضع ولاء الكمامة المتصلة بالجهاز على وجه الصغير، فيبدأ فى فتح عينيه، ويستعيد قدرته الطبيعة على التنفس مرة أخرى.

ثلاث مرات، هى عدد احتجاز الرضيع محمد بقسم العناية الخاصة بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها، فرغم أنه لم يكمل شهره التاسع بعد، إلا أن مرض الربو المزمن ينهش فى صدره الصغير منذ ولادته، بسبب قرب مسكنه من مكامير الفحم، التى تحيط بقرية أجهور، على شكل هلال أسود، يلفظ انبعاثات الموت فى صدور الأهالى.

تقول ولاء محمد، والدة الطفل، بأن ابنها يحتاج إلى 6 جلسات يوميا بجهاز الأكسوجين، الموسع للشعب الهوائية، وأنه ولد غير مكتمل النمو، هو وأخوه الذى يكبره بسنوات، وحين سألت الطبيب المتخصص عن سبب ذلك، أكد أن التلوث عامل مهم فى عدم اكتمال نمو طفليها عند الولادة.

حالة الرضيع محمد تتشابه مع حالة مئات من أطفال قرية أجهور الكبرى، التى يبلغ عدد سكانها 70 ألف نسمة، يحيط بهم الموت الأسود الناتج عن أدخنة مكامير الفحم، البالغ عددها 350 مكمورة، حيث يكثر فى القرية نسبة الإصابة بأمراض سرطان الرئة، والكبد، وفقا لما رصدته «اليوم السابع»، وما حصلت عليه من شهادات طبية تفيد ذلك، فى ظل غياب الأجهزة الرقابية، رغم صدور قرارين بغلق المكامير، من ديوان عام محافظة القليوبية، وتحرير عشرات المحاضر ضد أصحابها، من قبل مكتب البيئة التابع للوحدة المحلية.

«احبس أنفاسك» أنت فى قرية أجهور، عبارة تخيلية، تلح على زائر القرية لأول مرة، فهواء القرية المختلط بانبعاثات الفحم، يجعلك تأخذ أنفاسك بصعوبة فى الوهلة الأولى، قبل أن تعتاد الأمر، فى حين تلتصق رائحة الفحم المحترق بأثاث المنازل، وتترك أثارها السوداء على الحيطان، وربما على ملابس السكان أيضاً.

وتعد المكامير من أكثر الصناعات البدائية، التى لم تطلها يد التطوير، منذ العصور القديمة وحتى الآن، إذ يعتمد أصحاب المكامير فى إنتاج الفحم على حرق كميات كبيرة من الأخشاب، باستخدام المخلفات الزراعية، وتعتبر التقارير الصادرة عن وزارة البيئة، أغلب تلك المكامير مخالفة، حيث يخالف الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية المادة 37 من قانون البيئة، فى حين يخالف عدم وجود مدخنة للأدخنة والانبعاثات المادة 40 من قانون البيئة، كما يخالف تجاوز الحدود المسموح بها لملوثات الهواء فى انبعاثات غاز أول أكسيد الكربون والأتربة الكلية «الجسيمات» المادة 35 من قانون البيئة.

ووفقا لوزارة البيئة فإن عدد المرصود من مكامير الفحم المخالفة على مستوى الجمهورية يصل إلى 559 مكمورة، وتحتل قرية أجهور الكبرى التابعة لمركز طوخ، بمحافظة القليوبية، المركز الأول على مستوى الجمهورية، من حيث عدد المكامير، وتتضارب الأرقام لدى المسؤولين حول عدد المكامير فى القرية، ففى حين رصدت وزارة البيئة 167 مكمورة، فى مركز طوخ ككل، يذكر عيد عبدالفتاح رئيس الوحدة المحلية بقرية أجهور، أن عدد المكامير فى قرية أجهور وحدها يصل إلى ما يزيد عن 150 مكمورة، 100 منها فقط حصلت على ترخيص قبل إقامتها، فى حين أكد ملاك المكامير أنفسهم، أن عدد المكامير بالقرية يتخطى 350 مكمورة، ووفقا لدراسة أعدها دكتور محمود محمد، استشارى الأمراض الصدرية بمستشفى القصر العينى، فإن المكامير يصدر عنها الغازات الضارة تتسبب فى خفض نسبة الأكسوجين بالدم، وفى نوبات من ضيق التنفس والصداع، وفى التهاب رئوى، إضافة إلى الأنيميا، والصلع، وضمور الغدد العرقية، وأحيانا الوفاة الفورية، فى الحالات التركيز الشديد للغاز.

بصوت مبحوح، وأنفاس متقطعة تستقبلك «أم محمد» فى بيتها المتواضع، رغم مرضها الشديد، وإصابتها بنوبات ربو حادة، والتهاب فى الرئة، فالمرأة الخمسينية أحد ضحايا تلوث هواء القرية من جراء انبعاثات مكامير الفحم، كما يؤكد ابنها محمد عبدالعليم، المزارع البسيط، الذى يكلفه علاج والدته 600 جنيه أسبوعيا، مع صعوبة العثور على أدوية الربو المستوردة، وحقن الأتروفين، التى تستخدم فى جهاز الأكسوجين الخاص بوالدته، والتى زاد سعرها من 39 جنيها قبل الثورة، إلى 55 جنيها، بعد ارتفاع سعر الدولار.

تقول «أم محمد» بصوتها المبحوح، إنها تحتاج إلى جلسة بجهاز الأكسوجين كل أربعة ساعات، وأحيانا لا تجدى الجلسات نفعا، ويضطر ابنها إلى نقلها إلى المستشفى العام ببنها، حيث يتم حجزها فى قسم العناية المركزية هناك، حيث نصيحة الأطباء، بضرورة إيجاد سكن آخر، بعيدا عن القرية.

فى بيت المرحوم «عبدالرحمن محمود»، حكايات حزينة أخرى، فجد العائلة الأكبر «عبدالرحمن» توفى بسرطان الرئة، منذ ثلاث سنوات مضت، بينما جميع أحفاده يصارعون الحساسية الصدرية، والربو الشعبى المزمن بشراسة، حتى أن حفيده حمزة ذا الـ6 أعوام، هتف فى براءة «أنا مبخفش من حاجة» متبعا كلماته بنوبة من السعال الحاد، تدمى القلب، وذلك تعليقا على عرض والدته لشهادته الطبية وروشتاته التى تثبت تعرضه لنوبات ربو حادة.

تقول أم حازم، زوجة الراحل محمود، إن زوجها كان يعمل سائقا، وكان يتصف بالنشاط والمرح، قبل أن «يهده» سرطان الرئة، وتبدأ رحلة معاناته مع المرض. محمود «خرج «معاش مبكر فى سن الـ45، بعد خمس سنوات من مرضه، وتوفى عن عمر يناهز الـ56، بعد إصابته بنوبة رئوية حادة، تضيف «أم حازم» «جرينا عليه فى المستشفيات من بنها إلى العمرانية إلى مستشفى الأمراض الصدرية بالعباسية، بس أمر الله نفذ».

كلام «أم حازم» أثار شجونها، فلم تستطع منع دمعة حزينة، لمحتها «حبيبة»، الحفيدة الصغرى، والتى لم تبلغ عامها الثانى بعد، فجرت على جدتها لمواساتها، لكنها تعثرت فى الطريق إليها، ودخلت فى نوبة سعال حادة، فحبيبة كالمئات من أطفال القرية، مصابة بربو شعبى، وحساسية صدرية.

سبق لمحافظة القليوبية إصدار قرارين بإزالة مكامير الفحم من المحافظة، حصلت «اليوم السابع» على نصهما، صدر أولهما بتاريخ 18-6-2001، ويحمل رقم 777، ونص على إزالة جميع المكامير، التى لم توفق أوضاعها وفقا لقانون البيئة رقم 94 لسنة 94، ذلك بعد الاطلاع على عدد من التقارير والدراسات الصادرة معهد دراسات وبحوث البيئة، على أن تتكفل الجهات المختصة بتنفيذ القرار فور صدوره.

قرار إزالة مكامير الفحم الثانى صدر بتاريخ 3-1-2012، وحمل رقم 7، وجاء فيه حظر تشغيل مكامير الفحم فى نطاق محافظة القليوبية، مع توقيع غرامة قدرها 20 ألف جنيه على مخالفى القرار، وقد ذكر فى القرار أنه صدر بناء على «كتاب» وزير الدولة للشؤون البيئية، رقم 2057، بتاريخ 26-12-2011، بشأن وقف تشغيل مكامير الفحم فى نطاق المحافظة، ولم يتم تنفيذ القرار السابق، رغم صدوره بعد عام من ثورة 25 من يناير.

وعلق عيد عبدالفتاح رئيس الوحدة المحلية بقرية أجهور الكبرى على قرارات الإزالة الصادرة عن المحافظة، قائلا مشكلة المكامير فى أجهور تحتاج إلى تحرك أجهزة الدولة كلها، فهناك صعوبة شديدة بالنسبة للمحافظة لتنفيذ قرار مكامير الفحم، خاصة فى ظل الانفلات الأمنى، وانشغال صناع القرار فى الدولة بأمور أخرى.

يضيف عبدالفتاح: زادت المكامير العشوائية بعد قيام الثورة، وبات من الصعب حصرها، ولم يعد بوسع المحافظة إلا وضع حظر على تشغيل المكامير لمدة ثلاث شهور سنويا، من شهر سبتمبر وحتى شهر نوفمبر، لتقليل السحابة السوداء فى سماء المحافظة، التى تعد انبعاثات مكامير الفحم أحد أهم أسبابها، ذلك إضافة إلى تحرير مكتب البيئة بالمحافظة لمحاضر تلوث، وتوقيع غرامات تصل أحيانا إلى 20 ألف جنيه، إلا أن محامى أصحاب المكامير يسعون لعقد محاضر تصالح لتخفيف الغرامة إلى 500 جنيه أو 100 جنيه أو إلغائها تماما، وقد اقترحت المحافظة نقل المكامير إلى منطقة أبوزعبل، إلا أن أصحاب المكامير رفضوا قرار النقل، قبل مد المنطقة بالخدمات، وتوفير الأمن اللازم، للحماية من عرب العريقات، الذين يمثلون تهديدا دائما بمنطقة أبوزعبل.

محمد عبدالوهاب، أحد أهالى قرية أجهور، قرر تحمل أعباء قضية مكامير الفحم بالقرية، وحاول كثيرا التواصل مع مسؤولى المحافظة، لتفعيل قرارات إزالة المكامير من القرية، ولكن دون جدوى.

الوصول إلى منطقة المكامير وسط الأراضى الزراعية، لم يكن بالأمر الهين، فأصحاب المكامير يتحصنون فى قلاعهم بأطنان من الخشب المعد للحرق، والزائر الجديد يسهل ملاحظته.
كما أنهم متحفظون جدا تجاه وسائل الإعلام، وسبق لهم مهاجمة العديد من القنوات الفضائية والصحفيين، الذين باتوا يمثلون لديهم سببا محتملا لغلق باب الرزق، المتمثل فى مكامير الفحم، وتشريد أبنائهم وضياع مستقبلهم، رغم ما يعانونه من انتشار الأمراض الصدرية بينهم، تماما كباقى أهالى القرية، حتى أن أحد العمال بمكامير الفحم، رفض ذكر اسمه، قال فى بساطة، وقد اكتسى ثوبه باللون الأسود، من جراء الانبعاثات الملوثة «صدرنا مليان فحم آه، بس ده باب الرزق الوحيد».

كلام العامل السابق، كرره عشرات العمال، العاملين فى مكامير الفحم، ومفرش الفحم، وهو عبارة عن مرحلة التعبئة، حيث يقوم العامل بفرز الفحم عن طريق مصفاة، لتقسيمه حسب الحجم، وينتج عن هذه العملية غبار الفحم الأسود، الذى لا يستطيع أى زائر جديد الصمود أمامه، ولا تتعجب أن تجد بين العمال حملة الشهادات العليا والأطفال، فمع البطالة والفقر تنتفى المعرفة بالسلامة الشخصية، والأمن الصناعى.
وبين أتربة الفحم العالقة بالمكمورة، انهمك الطفل «أحمد ماهر» فى «كبس» المكمورة بالأتربة والمخلفات الزراعية، استعدادا لحرقها، أحمد طفل يتيم، لم يتعدى عمره الـ14 سنة، توفى والده تاركا أسرة كبيرة، ومعاشا لا يتعدى الـ450 جنيها، فاضطر أحمد إلى العمل، فى مكمورة الحج عنتر على الديب، أحمد لم يتخل عن دراسته، لكنه يضطر إلى الانقطاع عن الدراسة لثلاثة أيام أسبوعيا، يعمل خلالها لدى المعلم عنتر.
يقول عبدالمجيد محمد، مالك إحدى المكامير، إن مسؤولى المحافظة يضعون العراقيل أمام أصحاب المكامير، ويرفضون ترخيص المكامير الخراسانية، التى طرحتها وزارة البيئة بداية عام 2000.

وأضاف عبدالمجيد أن الفرن المطور الجديد، الذى تحاول وزارة البيئة فرضه على أصحاب المكامير، تصل تكلفة بنائه إلى 400 ألف جنيه، دون تقديم أى دعم من الحكومة، أو تقسيط المبلغ على دفعات، مؤكدا أن أغلب تلك الأفران «فرقعت»، بعد تطبيقها، كحال المكمورة المطورة بمجلس مدينة عرب الجهينة، بشبين القناطر، والمتوقفة حاليا، بعد أن تكلف بناؤها ما يزيد عن 300 ألف جنيه.

وردا على قيام أهالى أجهور، بتأسيس جمعية حقوقية بيئية، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من خلالها، للتصدى لتلوث مكامير الفحم، كون ملاك مكامير الفحم جمعية منتجى الفحم فى أجهور، لمطالبة الحكومة بتوفير مكان بديل لهم، فى حالة نقل المكامير.





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

الرشاوى

عدد الردود 0

بواسطة:

مسيو طارق

حسبنا الله ونعم الوكيل

عدد الردود 0

بواسطة:

شريف صقر

حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم اني مغلوب فانتصر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة