د.محمود رفعت

صندوق النقد الدولى.. الآمال المتبددة والسياسات المتعثرة

الجمعة، 12 أبريل 2013 08:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى العام 1944 اجتمع ممثلون عن 44 دولة فى مكان يدعى بريتون وودز ((Bretton Woods)) بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان هدف الاجتماع هو وضع الخطوط العريضة للسياسات المالية، لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بهدف استقرار أوساط المال العالمية، وتشجيع التجارة الدولية وإعادة إعمار الدمار الهائل الذى خلفته الحرب العالمية الثانية، لاسيما فى أوروبا ومساعدة الدول الأعضاء فى سد العجز فى ميزانيتها عن طريق الإقراض، وما إلى ذلك من أهداف تنموية نبيلة، وكان الاتفاق فى هذا المؤتمر أن يقوم بتنفيذ السياسات التى تم الاتفاق عليها، صرحان يقومان بالسهر على تنفيذ الأهداف سالفة الذكر، هذان الصرحان هما صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير.

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية – مخلصة أوروبا من براثن هتلر فى ذلك الوقت- كانت هى صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة والمستحوذة على نصيب الأسد فى المنظمات الدولية، والتى اتخذت أهمها، مثل مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولى، مقراتها فوق الأراضى الأمريكية، قامت الولايات المتحدة بجعل مقصد الصندوق هو المحافظة على أسعار صرف العملات الأجنبية، مقابل الدولار الأمريكى والذهب، وبذلك جعلت من الدولار الأمريكى محور لسوق المال العالمى ومركز الحركة، كى تبقى كل عملات العالم تدور فى فلكه دون القدرة على منافسته فى مكانه المنيع، فضلا عن أن تتطلع أى عملة إلى احتلال مكان الدولار، مهما كانت قوة الاقتصاد الذى وراء تلك العملة، كذلك فإن جعل الدولار الأمريكى محور العملات فى العالم أجمع، مكن الأمريكان فيما بعد من سنين من تسيس صندوق النقد، وجعله أداة، أو عصى فى يد الأمريكان.

كان الاختبار الحقيقى لمصداقية ونزاهة صندوق النقد الدولى فضلا عن مدى التزامه بالمعايير الأخلاقية والمهنية، التى قام من أجلها هو توجه مصر بطلب تمويل مشروع قناة السويس، من صندوق النقد، إذ ظهرت بوادر موافقة الصندوق آنذاك على تمويل مشروع السد العالى فى البداية، لما به من مصلحة هائلة ومردود سيأتى بالخير على الشعب المصرى، ويساعد فى حركة التنمية فى مصر عن طريق توفير الكهرباء لتشغيل المصانع وتقليل مخاطر الفيضانات، ولكن سرعان ما طلب من جمال عبد الناصر مطالب سياسية، رأى فيها امتهان لسيادة وكرامة مصر فما كان منه إلا الرفض الصارم لطلبات الصندوق، والتى هى طلبات الأمريكان والبريطانيين فى ذلك الوقت، ومن هنا فإن صندوق النقد الدولى سقطت عنه ورقة التوت ليرى كل ذى بصر انه أداة فى يد المنتصرون فى الحرب العالمية الثانية عامة والأمريكان خاصة.

كان ولا يزال لهيمنة الأمريكان على صندوق النقد الدولى الأثر الأكبر والكلمة الأخيرة فى القرار، حيث إن الصندوق إن أقرض فإنه يقرض بالموافقة الأمريكية وبالمعايير الأمريكية، وغنى عن الحديث أن نسهب فى مدى بشاعة الجشع الأمريكى فى جمع المال بطرق لا تعرف للعدالة الاجتماعية أى طريق، ولا تعرف معنى التكافل الاجتماعى بأى شكل.

ويكفى للتدليل على تأكيد ذلك، أمرين يعرفهم القاصى والدانى هما أولا: أن الولايات المتحدة الأمريكية – أغنى دولة فى العالم – بها أكبر نسبة مواطنين يأكلون من القمامة لعدم امتلاكهم طعاما آخر، وثانيا: أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس بها رعاية صحية لغير القادرين ماديا، وعليه فإن من لا يملك المال للعلاج يعانى ويلات وآلام المرض بلا شفقة فى أكثر الدول، تقدما فى المجال الطبى وعملاق صناعة الدواء فى العالم.
كان ولا يزال الصندوق مقصدا للحكومات العاجزة، أو الفاشلة عن إدارة موارد بلدانها كى تخرج من أزماتها الخانقة، وذلك لتدبير احتياجاتها بصورة سريعة، وعدم كشف فشلها الاقتصادى والإدارى، وبالتالى السياسى فى الإدارة، وكان لمصر تاريخ مع الصندوق، حيث بعد الموقف المشرف لجمال عبد الناصر، اتبع كل من السادات ومبارك سياسات حذرة تجاه الصندوق، اللهم إبان عملية الخصخصة التى شهدتها مصر فى مرحلة التسعينيات من القرن الماضى، والتى توقفت، أو تم تداركها فيما بعد.

وعود إلى بدء، فإن جمال عبد الناصر كان له رد مشرف على متطلبات الصندوق، التى فيها امتهان للأمة المصرية، هذا الرد تمثل فى تأميم قناة السويس لتدبير الموارد المالية التى تحتاجها خزانة الدولة، على الرغم من أن جمال عبد الناصر كان قادرا أيضا على الاقتراض من الكثير من الدول التى كان له فيها سطوة تقدير واحترام، وكانت دول ثرية قادرة على تمويله، خاصة دول المعسكر الشرقى، أن ذاك، لكن الرجل لم يفعل حفاظا على كرامة مصر والشعب المصرى.

وأخيرا وليس آخرا، أجد أنه حرى بنا أن نطرح سؤالا، لماذا لا يتم تحرير الغاز المصرى من التصدير لإسرائيل وبيعه فى الأسواق العالمية بأسعاره العادية، للإسهام فى سد العجز فى الموازنة؟، لاسيما وأن الحاكمين الآن طالما تغنوا قبل وصولهم للحكم بعمالة وخيانة مبارك، بسبب صفقة تصدير الغاز لإسرائيل بل الأنكر من ذلك أن تفاصيل تصدير الغاز لم تخرج حتى الآن للعلن.

إن كذب وزير الخارجية الأمريكى الذى ساقه أثناء زيارته الأخيرة لمصر، كى يدفع الحكومة بالتسريع فى إتمام قرض الصندوق بغية تدعيم الثقة فى الاقتصاد المصرى، لم يبتلعه العامة، فضلا عن أهل الاقتصاد، ذلك أن الثقة فى أى اقتصاد لا تكون لاقتصاد يقترض عامة، ومن صندوق النقد الدولى خاصة.

ولا ثقة فى اقتصاد بلد تكون حكومته فى وادى وشعبه فى وادى آخر، حيث يكون رئيس تلك الحكومة منهمك فى دافوس، للإدلاء بأحاديث لا تمت للواقع بصلة، ظنا أن العالم أعمى لا يرى ما يحدث فى بلده من تهالك للبنية التحتية، متمثل فى حوادث قطارات مروعة، وانقطاع متكرر ومتعاظم للكهرباء و.. و... إلخ، فضلا عن رئيسه الذى يخاطب الشعب بتويتة على "تويتر" فى حالات الغليان الشعبى، ويتحدث عن زيادة إنتاج المانجا فى حين تقنين رغيف الخبز للمواطن المصرى وإعطائه 3 أرغفة يومية.

• رئيس المعهد الأوروبى للقانون الدولى والدراسات الإستراتيجية – بروكسيل.








مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

وليد

تحرير غاز ايه يا دكتور؟ سيادتك متعرفش عن مخزون الغاز الطبيعي اللي في جنوب شرق المتوسط؟

عدد الردود 0

بواسطة:

وليد

استدراك: قيمة الغاز الذي تم اكتشافه تقدر ب220 مليار دولار

.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة