430 لقطة ملونة هى مجموع الصور التى يتضمنها كتاب "جرافيتى الثورة.. فن الشارع فى مصر الجديدة"، الذى صدر مؤخراً للمصورة والكاتبة السويدية "ميا جروندال"، وترصد فيه ظاهرة فن الجرافيتى التى انتشرت فى مصر إبان وبعد ثورة 25 يناير 2011.
والجرافيتى ﻋﺒﺎرة عن تصميمات فنية ترسم على الجدران أو الجسور أو غيرها فى الأماكن العامة، للتعبير عن رأى سياسى أو اجتماعى، وأحيانا يستخدم فى الدعاية، وقد شهد شيوعاً كبيراً فى مصر خلال العامين الماضيين، مسجلاً أحداثاً مفصلية وقعت فى البلاد خلال هذين العامين.
فقد وثقت الجدران ظواهر مفصلية للثورة المصرية، وأبرزتها "جروندال" من خلال فصول كتابها الـ33، مثل "موقعة الجمل" (هجوم شنه مؤيدون للرئيس المصرى السابق حسنى مبارك على الثوار فى ميدان التحرير وسط القاهرة بأحصنة وجمال فى 2 فبراير 2011"، و"أحداث محمد محمود" (مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون بإنهاء حكم المجلس العسكرى السابق فى المرحلة الانتقالية، وقعت فى شارع محمد محمود بمحيط ميدان التحرير يوم 19 نوفمبر 2011) إلى جانب ظاهرة قنص العيون (استهداف عناصر من قوات الأمن للمتظاهرين فى أعينهم بالرصاص).
والكتاب الذى صدر باللغة الإنجليزية، أهدته صاحبته إلى أطفالها، فكتبت لهم فى مقدمته: "فى بداية الثورة (ثورة يناير2011) رأيت بعض الجرافيتى، لكن لم أعره اهتمامًا، واكتفيت بالتقاط بعض الصور فقط".
وتضيف "كانت مصر "شبه خالية من الجرافيتى إلا من بعض اللافتات المؤيدة للرئيس السابق حسنى مبارك، أو إعلانات تجارية، أو تهنئة بالعودة من الحج (حج بيت الله الحرام)".
ولم تحمسها تلك البداية الخجولة عن الجرافيتى فى مصر لإعداد كتابها، ولكن مع مرور الوقت أخذت الظاهرة فى الانتشار، وأصبحت ظاهرة كبرى ومؤشرا للحركة السياسية.. إنها "هرم جديد" فى مصر على حد وصف الكاتبة.
وتفسر "جروندال"، المقيمة فى القاهرة منذ 10 سنوات، أسباب انتشار هذا الفن بقولها فى مقدمة كتابها إن "المواطن المصرى أصبح يعتقد أن الإعلام، وخاصة الرسمى يتسم بالكذب، الجرافيتى يأتى من مواطنين عاديين، لا يريدون شيئا، فليس لديهم دافع للكذب".
و"ظاهرة الجرافيتى فى مصر تعود جذورها إلى التاريخ القديم، بحسب ما رصدته المصورة السويدية، حيث أشارت إلى اكتشاف "رسومات لأناس يمارسون السباحة فى كهف صخرى فى صحراء مصر الغربية يعود ربما لما قبل 23 ألف سنة، إضافة إلى رسومات الفراعنة على الجدران وداخل القبور".
ويوثق الكتاب لجدارية ضخمة تضم 18 بورتريه لنساء ورجال فقدوا أعينهم برصاص القناصة خلال الثورة المصرية وما تبعها من احتجاجات، حيث تتواجد الجدارية بشارع محمد محمود، قرب ميدان التحرير، والذى كان مركزا للاحتجاجات والاشتباكات، وخاصة بعد الثورة.
ولم يقتصر الجرافيتى على الثوار فقط، بل ضم صورة جرافيتى للواء محمد البطران، وهو مسئول شرطى بسجن القطا بمنطقة القناطر (دلتا النيل)، قتل برصاص مجهولين خلال تصديه لمحاولتهم اقتحام السجن يوم 29 يناير2011.
كما يضم الكتاب صورة للشيخ الأزهرى عماد عفت والذى قتل برصاصة مجهولة فى ديسمبر 2011 أثناء مشاركته فى احتجاجات أمام مقر مجلس الوزراء بوسط القاهرة، وبجواره صورة الناشط القبطى "مينا دانيال"، الذى قتل فى احتجاجات عرفت إعلاميا بـ"أحداث ماسبيرو" فى أكتوبر 2011.
ويعرض الكتاب لمظاهر التنوع وثقافة التسامح التى جمعت المصريين خلال الثورة، حيث يوثق لوحات تظهر تجاور الهلال مع الصليب، ورسومات لمساجد وكنائس ورموز سياسية مختلفة الاتجاه متوحدة على هدف واحد وهو نصرة الثورة.
وتقول الكاتبة فى المقدمة إنها استمرت فى تصوير اللقطات التى تضمنها الكتاب لمدة 9 أشهر، بدأت عام 2011 واستمرت حتى صيف 2012، حيث التقطت صورا لفن الجرافيتى من على الجدران بمختلف محافظات مصر.
"جروندال" التقت ببعض رسامى الجرافيتى المصريين، أبرزهم الفنانان التشكيليان "علاء عواد" و"عمار أبو بكر"، اللذان جاءا من الأقصر، اقصى جنوب البلاد ليدعما الثورة برسم جداريات فى قلب القاهرة، وآخرين مثل هناء الدغام وميرنا توماس وغيرهم، والذين لم يعلنوا عن أسمائهم الحقيقية (على رسوماتهم) وحملوا أسماء فنية مثل "زفت" و"الجنزير" و"الفيل" و"التنين"، بحسب ما جاء فى الكتاب.
واحتلت رموز سينمائية مصرية فصلا فى الكتاب؛ حيث ظهرت صورة لأم كلثوم؛ المطربة المصرية الشهيرة، مع أغنية "للصبر حدود"، وظهرت عبارة "أحلى من الشرف مفيش" بجوار الممثل المصرى الشهير توفيق الدقن للسخرية من الوضع السياسى القائم.
وحملت جدارية موجودة فى مقهى بحى الفجالة بالقاهرة صور لنجوم قدامى، مثل الممثل المصرى عبد الفتاح القصرى والمطرب السورى- المصرى فريد الأطرش، والفنانة الكوميدية المصرية مارى منيب، بجانب صورة صاحب المقهى.
وقد احتلت المرأة المصرية مساحات كبيرة من الجرافيتى، أبرزها رسومات رمزية للمرأة التى تمثل الوطن (مصر)، وصورة لأم شهيد تحمل صورة ابنها الذى قُتل فى "مجزرة بورسعيد"، شرق القاهرة، والتى راح ضحيتها 74 شخصا فى فبراير 2012.
كما يتضمن الكتاب رسومات لنساء أخريات برزن فى الثورة؛ مثل سميرة إبراهيم الناشطة التى رفعت دعوى قضائية ضد المجلس العسكرى، الذى حكم قبل تولى محمد مرسى الرئاسة، فيما سمى إعلامياً بـ"قضية كشوف العذرية".
وللكاتبة السويدية "ميا جروندال" عددا من الكتب أبرزها؛ جرافيتى غزة.. رسائل الحب والسياسة"، صدر عام 2009، و"ميدان التحرير.. قلب الثورة المصرية"، وصادر عام 2011.
جرافيتى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة