بجانب مقام السيد إبراهيم الدسوقى استقر موقعه لأربعين عام.. خلف أكوام الحمص نشأ طفلا ثم شابا ثم رجلا عجوزا لا يعرف غير هذه الحبات التى تتراص بالملايين أمامه.. سواء كان أمام المقام.. أو حين يحملها معه فى رحلة سنوية بين ضروب موالد المحروسة يبحث بها عن لقمه عيش.. من أقصى الجنوب وحتى أقصى الشمال "تدب أقدامه حيث تنشأ الموالد"، فرشة صغيرة تتسع فوق بقعه أرض حملت فوق طياتها قصص عشرات المدن التى يزورها كل عام ثم يعود لها ليجد كل شىء يتبدل من سىء إلى أسوأ كأنما العالم يسير فى اتجاه وبلادنا تحمل رحالها فى الاتجاه المعاكس.
جلباب مهلهل.. وقطعة خبز جافة.. يقبض عليها بين يديه ويتركها بمجرد مرور زبون من أمامه ليلتقط كبشة من الحمص يعرضها عليه للتذوق قبل أن يمر الزبون دون أن يلتفت له.. مشهد يمر فى ثوانى يلخص حال عم إبراهيم بائع تل الحمص و"زباين اليومين دول" أصحاب الجيوب الخاوية، مشهد وأحد لا يتبدل من مقام صغير مقام فى قرية نائية أو مقام سيدنا الحسين فى القاهرة الكبرى.. يقول "من سنتين كانت الناس تنزل للموالد ما يهمهاش الفلوس حتى لو كانوا فقراء.. والحمص حاجة مش ممكن تتفوت الزبون كان يشترى مننا 12 و13 كيلو لكن دلوقتى بقيت حاسس أن مصر كلها مفلسة".
بجانب ميزانه الذى بدأت تتراكم عليه الأتربة يذكر الرجل الذى يوشك أن يدخل عقده السادس كلمات عمنا صلاح جاهين بحكمه ويقول "كانوا يقولوا.. اللى شاف حمص ولا داقش.. حب وأتلوع ولا طالش.. وبلدنا كلها دلوقتى ما بقتش طايلة.. أحنا عيشنا سنين نشتم فى فساد مبارك لحد ما جالنا عهد يخلينا نقول فين أيام مبارك.. أه كانت أيام ما يعلم بيها إلا ربنا بس كانت الدنيا ماشية".
تل الحمص الصغير الذى يملكه عم إبراهيم الفطاطرى قام بتربيه ثلاثة أولاد اثنين منهم سيستمرون فى دنيا الموالد ويحملون مهنه الحلوانى ليكملوا طريق العائلة الذى بدأ قبل أربعين عام، والآخر اتجه إلى عالم الصيدلة.. يشعر بشكل كبير أنه أكمل مهمته فى الحياة.. عيونه حتى لا تبالى بفرشته التى لا يقترب منها أحد مثلها مثل كل المجاورين لها.. ولكن لسانه الذى تشكل بكلمة من كل مدينه كان يحمل بعض الرسائل للسيد الرئيس ويقول "مصر كلها بقت تعبانه يا ريس، محدش بقى ليه نفس يبيع أو يشترى فى كل مكان، أولادنا هيطلعوا يلاقونا سايبين ليهم خرابه وأنتو قولتم للناس أن اللى كانوا فى الحكم حرامية وناهبين البلد فإما تورونا خير بلدنا يا أما تسيبوها لحد ثانى يعرف يمشيها".
اللى شاف حمص عم إبراهيم وما دقش.. "حب وأتلوع ولا طالش"
الأحد، 17 مارس 2013 01:43 ص
عم إبراهيم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة