دكان صغير تناثرت به بقايا يوم عمل طويل من الدق والنقش والرسم بعناية على قطع سميكة من الذهب حولتها أيادى "الصنيعية" إلى مشغولات مختلفة الأشكال والأحجام، ارتفعت بالغرفة الضيقة حرارة الفرن الذى مرت عليه السبائك المعدة للانتقال جاهزة إلى محلات الذهب، خلف الفرن تناثرت خروق الأقمشة المتسخة ببقايا الذهب الملطخة ببقع سوداء تركتها الأيدى قبل أزاحتها جانباً استعداداً للمهمة الصعبة فى نهاية اليوم، ممسكاً بالمقشة المعدة خصيصاً لتنظيف الورشة أزال "تراب الذهب" بحرص مكوناً كومة لا بأس بها من التراب الممزوج ببقايا ذهب تساقط من أيدى العمال، استعد لوضعه فى شوال خاص بالتراب المتراكم من بقايا العمل وتركه فى ركن خاص بتراب لا يمكن التخلص منه.
لا تقل مهنته أهمية عن صانع ذهب محترف، هو هذا "الصبى" الذى ينتقل من الورشة يومياً حاملاً ما قام بتجميعه من تراب ثمين إلى ورشة "الشيشنجى" الواقعة فى أزقة "الصاغة"، وهو الذى يستكمل رحلة "تراب الذهب" الذى يتم فصله عن بقايا الذهب استعداداً لبيعه لتجار "التراب" الذين يقومون بدورهم بتجميع البقايا فى كرة صغيرة قد تصل إلى جرام واحد خصصت له ورش الذهب فريق عمل خاص للتفتيش عنه بين أكوام التراب.
"أيمن الشيشنجى" هو اسم أشهر دكاكين تجار "التراب" فى أزقة المقاصيص بصاغة الحسين، بداخل الدكان لا تتوقف الحركة، ما بين المعمل الخاص بقياس نسبة الدهب داخل أكوام التراب، والفرن الخاص بدك السبائك التى تعود للورش للتصنيع.
"تحليل سبائك الذهب، وقياس نسبة الذهب المختفى داخل تراب الورش، هى وظيفة دكاكين الشيشنجية هكذا بدأ "إبراهيم عصام" حديثه من داخل معمل "أيمن الشيشنجى" الشهير بفصل الذهب عن التراب، ملتفتاً إلى نار الفرن أعطى بعض الإرشادات للعمال ثم عاد للحديث قائلاً، صنعة الشيشنجى صنعة دقيقة وخاصة جداً، والغلطة فيها بفورة، دورنا حساب نسبة الذهب داخل التراب من خلال عينة 3 جرامات، تدخل بعدها فى عدة مراحل أولها الحرق، تعود بعدها فى صورة معدن، ويتم حساب عدد الأسهم فى كيلو التراب الواحد، وعلى أساس عدد الأسهم يتم فصل الذهب عن التراب، نقوم بعدها لتسليمها للتاجر، ونحصل على نسبة من كمية الذهب".
"تراب الدهب ما بيترميش، وليه سوق متكامل وصنايعية مخصوصين، وتجار حيتان فى السوق زى الحج جلال الشيشنجى، أشهر تاجر تراب فى المنطقة"، يكمل "إبراهيم" الشيشنجى من أهم العناصر فى عالم الذهب، فهو من يقوم بفصل التراب، ودق السبائك، وقياس جودة الذهب ودرجاته المختلفة، بداية من عيار 24 إلى ال21 وال18 وهما العيارين الأكثر استخداماً فى أسواق الذهب.
عالم الذهب، عالم خاص له ناسه، تفاصيله دقيقة لا تسمح بالأخطاء، كما أكد معظم العاملين بسوق الصاغة، بداية من الصنايعية وحتى كبار التجار وأصحاب المصانع، ترابه "غالى" قد تضيع من أجله حياة صنايعى بائس كل دوره الغوص داخل أكوام التراب بحثاً عن ذهب.
حتى التراب ليه سوقه..
"تراب الذهب" عالم خاص بين ورش الذهب ودكاكين "الشيشنجية"
الثلاثاء، 12 مارس 2013 09:03 ص
إبراهيم عصام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة