حمادة صابر، وأحمد الجندى، مواطنان مصريان تلخص حكايتهما حال مصر الآن بكل ما فيها من متناقضات والغاز وعبث يقود لهلاك البلاد وشعبها المسكين، الذى لم يُكتب لفرحته بالثورة أن تدوم وتستمر. الأول يعبر عن شريحة عريضة من المصريين البسطاء الكادحين الذين يحصلون على قوت يومهم بشق الأنفس، وتلهب ظهره سياط الأسعار وعدم الإحساس بوجوده أو لتقل بآدميته، فهو غير موجود وبالكاد يعيش على هامش الهامش فى مجتمع قاس متحجر القلب، وارتضى منذ زمن بعيد كتمان آهاته وعذاباته، خوفا من كرباج السلطة وبطشها.
ومن الواضح أن الثورة لم تنجح بعد فى كسر هذا الطوق الملفوف حول أعناق أشباه حمادة صابر وتعدادهم بالملايين، لذلك استغرب حالة الاندهاش التى سيطرت على الناس ووسائل الإعلام من إدلائه بأقوال تناقض ما سجلته الكاميرا بالصوت والصورة من انتهاك لكرامته وكبريائه، وركض الفضائيات خلف أسرته وجيرانه لاستخلاص تصريحات منهم بأن المجنى عليه المنحدر من الصعيد جلب لهم العار، ويجب أن يتبرأ منه الجميع، فنحن نتعامل مع موروث نفسى وعقلى استقر فى أعماق المهمشين والمنبوذين فى المحروسة منذ أبد الآبدين.
لاحظ أن قدرة السلطة ممثلة فى الأجهزة الأمنية الفائقة على البطش كانت حاضرة فى قصة صابر الذى رضخ بدون مقاومة قى البدء قبل استعادته شجاعته والاعتراف بما تعرض له على يد الشرطة. عقلية البطش لمسناها أيضا فى قصة الجندى هذا الشاب اليافع صاحب النشاط السياسى الذى لم يقبل على كرامته أن يشتمه ضابط بأمه فدفع ثمن موقفه المحترم حياته، وجل ذنبه أنه كان يحلم بتغيير مصر للأفضل، وأن تصان كرامة مواطنيها ولا تهان، مثلما رأينا فى عهد النظام السابق. غير أن حلمه فى حد ذاته جريمة لا يغفرها من يريدون استبدال نظام قمعى بآخر لا يقل فى بشاعته ووحشيته عن المستقر فى هذا البلد منذ أيام الحضارة الفرعونية، ولا مجال فيه لحرية التعبير والاعتراض.
فما وقع على الجندى من تعذيب غير آدمى، وكذلك صابر، كان تجسيدًا لصراع تكتوى بلادنا بناره حاليا بين إرادتين، إرادة غالبية المصريين فى العيش فى وطن راق متقدم يبنى على أسس وقواعد سليمة تجعل عوده صلبا يتحمل الهزات والأنواء والعواصف الشديدة، وإرادة جماعة حاكمة تتصرف بمنطق معاكس تماما لما كانت تقوله وتعلنه لدى جلوسها على يسار الحكم كقوة معارضة، وتعاند بعدم الإنصات لأصوات المتظاهرين والقوى السياسية، تاركة البلاد تنزلق إلى الهاوية دون أن يرمش لها جفن، وتحصر جهدها فى حديث ليس له دليل دامغ عن مؤامرات خارجية، وأن السياسيين المعارضين يتلقون أموالا لتخريب وطنهم، وأنها ستضرب بيد من حديد. وغفل هؤلاء عن أن القهر والظلم وإهدار أدمية البشر لم تحقق أبدًا هدفها فى إخضاع رقاب العباد، بل إنها كانت سببا فى الفوران والغليان واقتلاع أنظمة ديكتاتورية من جذورها، وأن من تجاسر على الخروج فى مظاهرة مرة لن يحول بينه وبين المشاركة فى مئات غيرها أى عائق سوى الإصابة البالغة أو الموت.
إن مأساة الجندى وصابر لن تكون آخر الأحزان، طالما استمر الإخوان المسلمين فى عنادهم وسعيهم لوضع مصرنا فى قالب إخوانى، ظنا بأن المواطنين سوف يصيبهم الضجر والسأم وسيرضون بالأمر الواقع، وستدين لهم الأفئدة والعقول، وما لا يلتفت إليه الإخوان أنهم يفقدون رصيدهم بسرعة كبيرة، فالتعاطف معهم استبدل بكراهية ورغبة فى الثأر بعدما أزهقت أرواح الكثيرين منذ تولى الدكتور محمد مرسى الرئاسة.
لو كنت مكان مرسى لخرجت على شعبى معتذرًا ومتعهدًا بجلب حقوق من قتلوا على بوابات قصر الاتحادية، فالحجر والشجر والأثاث والرمز الذى يمثله المكان ليس بأغلى من حياة مصرى واحد يقتل ظلما وعدوانا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
نصدق مين؟؟؟؟؟