على ناصية الشارع كانت وقفته المعتادة، مربع صغير حبس به أنفاسه خلف دخان "البطاطا" التى التصقت باسمه طيلة عامين كان خلالهما "بائع البطاطا" الطفل الذى وقف خلف عربته، يراقب ثورة لم تفسح لأطفال الشوارع مكاناً، لم يشعر يوماً بمعنى للطفولة التى تركته ليعول أسرة فى سن لم تتجاوز الثالثة عشرة، لم يكن يدرك أن رائحة الغاز التى اعتادها ستلاحقه يوماً، ولم يتسع عقله الصغير لتقدير اتجاه الطلقة التى اخترقته قبل أن يفهم سبب مجيئه إلى هذا العالم، أغمض عينه محتفظاً باللقطة الأخيرة لشهداء الميدان الذين راقب سقوطهم واحداً تلو الآخر، لم يتركه لقب "البطاطا" حتى بعد هدوء رعشة جسده الصغير على أرض المربع ذاته، ولم يسعفه الوقت لرؤية اللافتة الأخيرة التى حملت صورته فى ميدان التحرير "عمر صلاح" شهيد "البطاطا".
اللافتة هى إحدى اللافتات الضخمة التى انطبعت عليها قائمة صور شهداء الشهور الأخيرة، التى اختتمها بائع "البطاطا" الطفل بوداع حار، من فوق لافتة راقب منها الميدان للمرة الأخيرة، حولها خرج رفقاء رحلة الشقاء لتوديعه بعيون غير مصدقة وعربات "أكل العيش" التى دفعوها أمامهم، بعضهم من تجاوز طوله طول "عمر" والبعض الأخر من لم يصدق بعد أن "عمر" قد ظهر على لافتة من لافتات الميدان.
"كان صاحبي.. كنا بنشوف بعض كل يوم، وبنتكلم على اللى بيحصل فى الميدان" طفل أخر من وراء عربة أخرى تحدث بعينين زائغتين رحلت عنهما الطفولة كما رحل "عمر"، "كان نفسه يسيب الشغل، وكان نفسه يتعلم، وكان نفسه ما يبقاش كده" بدموعه تحدث "عبد الله" الذى لا يقل طفولة عن "عمر"، لم يعلم بدقة متى سيحمل لقب شهيد "الترمس" الذى اعتاد التجول به فى رحلات مشابهة لرحلة "وداع عمر" الذى انطلقت بها عربات الترمس والبطاطا فى جنازته أمس إلى دار القضاء العالى مطالبين بحقه، أو ربما متوقعين نفس مصيره.
"نفسى أتعلم.. وعايز أتغير" كانت كلمات "عمر" قبل عام من وفاته برصاصتين اخترقتا مخه وقلبه عن طريق الخطأ!، ربما كان حلمه البسيط هو ما أوقفه فى مجال الخطأ الذى أودى بحياته القصيرة التى انتهت بصورته على إحدى لافتات الميدان الضخمة، وتحول اسمه الذى لم يذكره أحد إلى اسم من أسماء شهداء الثورة التى لا تنتهي، راقب من فوق لافتته الميدان للمرة الأخيرة، وودعته عيون رفقاء التعاسة من باعة البطاطا والترمس، فى انتظار لافتة جديدة قد تحمل أحد وجوههم التى تشبه كثيراً وجه "عمر صلاح" شهيد البطاطا.
عشان كان بيحلم..
"شهيد البطاطا" عاش خلف دخان قتل طفولته.. ومات على إحدى لافتات الميدان
السبت، 16 فبراير 2013 04:20 م
الشهيد "عمر صلاح"
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
OMAR HAITHAM
مازنبى
عدد الردود 0
بواسطة:
ساهيه تادرس
طفل البطاطا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
الى تعليق رقم 2