ثورة بهذه الأهمية يجب ألا نتعامل معها بهذه العشوائية التى لا تزال تحكم الكثير من أفكارنا وتعبيراتنا
كنت أتمنى أن يتحول شهرا يناير وفبراير من هذا العام إلى شهرين من الاحتفالات بمناسبة الثورة المصرية العظيمة التى انطلقت فى الخامس والعشرين من يناير، ولم تضع أوزارها إلا بعد إسقاط رأس النظام الفاسد فى الحادى عشر من فبراير فى مشهد قلما جادت به الأيام فى تاريخ مصر الطويل.
مثل هذا الاحتفال الذى كنت أتمناه ليس من باب التسلى وإضاعة الوقت بل لأهداف كثيرة كان ولا يزال من الواجب العمل على تحقيقها مثل أن نؤسس من الآن فصاعدا لاحتفالات كبيرة كل عام فى هذين الشهرين: نبرز فيهما أهم الملامح الكارثية للنظام الذى أسقطناه.. ونظهر حجم الجناية التى ارتكبها فى حق هذا الشعب ومدى بشاعتها.. ونرصد الأدوار الإجرامية للقوى الدولية التى كانت ترعى هذا النظام وتؤمنه بكل وسائل التأمين، وتجعله جسرا تعبر عليه كل مخططاتها ومؤامراتها، كما كان من أهم المعابر التى عبرت فوقه عملية نزح غالبية ثروة هذا الشعب المسكين.. كما يجب ألا يغيب عن احتفالاتنا ذلك الحشد المهم للهمم والطاقات لاستكمال تحقيق أهداف هذه الثورة، وذلك بعد الرصد الأمين لما تحقق منها وما تبقى.
فى مثل هذه الأيام من كل عام يجب أن نحلم ونفكر بصوت عال بشؤون مستقبل بلادنا والآمال والطموحات التى ننتظرها لأبنائنا، وذلك بعد أن كسرنا القيد الذى قيد تفكيرنا وبعد أن مزقنا الكمامة التى أغلقت أفواهنا وكتمت أصواتنا وبعد أن أزحنا الكابوس الذى أرق منامنا ووأد أحلامنا.
كل هذا لأننى ممن يعتقدون أنه لا يمكن لمدقق فى قيمة وأهمية الثورة المصرية إلا ويرى أنها من أهم وأعظم الأحداث فى التاريخ المصرى، كما أنها تعد فرصة تاريخية لتغيير شكل وطبيعة الحياة على أرض مصر، وهى أيضا نقطة انطلاق استراتيجية مهمة لو أحسنا التعامل معها والانطلاق منها سنصل إلى ما لم نصل إليه فى تاريخنا كله: فهذه الثورة تعد أول ثورة شعبية حقيقية يشهدها تاريخ مصر القديم والوسيط والحديث والمعاصر، كما أنها تتميز بالعمق والاتساع فى قاعدتها التى تحركت لأول مرة فى مواجهة فرعون استخدم كل الأساليب التى تمكنه أبداً.. وتتيح للسلطة ألا تغادر أهل بيته.. كما تسمح له بإجهاض أى حركة تمرد على حكمه مهما كان مصدرها أو مداها لهذا فقد كان الهاجس الأمنى هو الهاجس الأول لهذا النظام حتى رآه البعض هو الهاجس الوحيد!!
لقد وصلنا لحالة تصور البعض فيها أن الشعب قد مات وأن إمكانية رفضه للسلطة أصبحت من المستحيلات!! بل أخذ البعض يبحث عن أى وسائل أخرى غير ثورة هذا الشعب التى لم تعد واردة، وكتب البعض يتهكم ممن ينادون بالثورة الشعبية وسادت الأمثال التى تؤكد على سلبية الشعب المصرى ولامبالاته خاصة تجاه الطغيان الداخلى.
هذا جانب من جوانب أهمية وعظمة الثورة المصرية من الناحية الشعبية، أما من الناحية الاستراتيجية فيمكن أن نؤكد أهمية هذه الثورة إذا ما قارنا آثارها المتوقعة والمرجوة بالآثار والنتائج التى شهدتها مصر عقب الأحداث الهامة فى الحقبة المعاصرة: وعلى هذا يجب ألا يغيب عنا أنها تتفوق على قيمة وأهمية حركة 1952 التى قادها جمال عبدالناصر ورفاقه التى وإن خلصت مصر من النظام الملكى وأعلنت الحرب على الاستعمار وأعوان الاستعمار، ووضعت لبنات مهمة فى بناء العدالة الاجتماعية.. إلا أنها قد وضعت قيودا ثقيلة على حرية الإنسان وكرامته انتهت بتدمير قدرات الدولة وإنهاك كل أدواتها الفاعلة.
كما أنها تتفوق على حرب أكتوبر التى وإن حررت جزءا مهما من الأرض إلا أنها كبلت الجزء الأهم من الإرادة السياسية التى كانت ولا تزال أهم ملامحها هى «كامب ديفيد»، ذلك الخطأ الاستراتيجى الأكبر خلال الستين عاما والذى تفوق فى آثاره السلبية على هزيمة 1967!!
لهذا فإن ثورة بهذه الأهمية يجب ألا نتعامل معها بهذه العشوائية التى لا تزال تحكم الكثير من أفكارنا وتعبيراتنا والتى تتناقلها وسائل الإعلام بشكل أكثر عشوائية، وهذه العشوائية ليست فى مجال الحكم فحسب بل امتد ليشمل الطبقة السياسية التى من أهم واجباتها ترشيد الحكم، ووصل الأمر لحد السلوك العام فى المجتمع الذى لم يأبه بعد لأهمية أن نشعر أننا قد ولدنا من جديد على أرض جديدة نعيش حياة جديدة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مستشار سيد عبد المنعم
الثورة يحتفل بها أصحابها يا أخ ! و ليس سارقيها و راكبيها ! و حنحتفل بالخيبة يعنى !!
عدد الردود 0
بواسطة:
captinkemokono
الجيزة
عدد الردود 0
بواسطة:
TAMER IBRAHIM
ليه الناس مش عايزة تعلق؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
القاتل الحق
القاتل الحق