أغتاظ كثيرًا كلما رأيت أحدهم يربط بين الطفولة والبراءة، فالأطفال هم أكثر خلق الله مكرًا ودهاء وبراعة فى لى ذراع الحقائق والوالدين، تحقيقًا لأهدافهم التى هى دائمًا ليست منزهة عن الغرض. وقبل أن تعترض سيادتك اسمح لى بأن أقص عليك طرفًا من أخبار طفولتى السعيدة أنا ورفاقى الصغار فى ريف دمياط. كنا نذهب مثل فرقة إعدام مدججين بعصى رفيعة تنتهى بخطاطيف حديدية، وقد ارتدينا أحذية بلاستيكية طويلة تشبه أحذية رجال المطافى، ونقتحم جحور الخطر الداهم فى الغيطان البعيدة والأجران الواسعة، ومثل كلاب صيد مدربة كنا نقتفى أثر الجلد الذى خلعته الفريسة عن نفسها على هيئة ثوب أبيض، فنعرف أن اللحظة قد حانت! وسرعان ما كنا نظفر بالصيد الثمين، ونعود فى زفة جماعية، وقد رفعنا الثعبان الذى داخ من ضرباتنا المحسوبة على طرف العصى التى صنعناها بجهودنا الذاتية، وحين نصل إلى الحارة كنا نبدأ وقائع الاحتفال!
نضع الثعبان على الأرض ونستمتع بمحاولاته اليائسة للهرب وهو يرفع رأسه، ويحاول أن يصلب طوله ثم ننهال عليه ضربًا مبرحًا يشاركنا فيه- مشكورين- بقية عيال العزبة! وحين يأتينا علم اليقين بأن المرحوم لفظ أنفاسه، كنا نطوف به فى الأزقة هنا وهناك، نستعرض رجولتنا، ونخطف الإعجاب من عيون البنات اللواتى يتابعننا فى شغف من الشبابيك والبلكونات وكأننا فى طقس احتفالى على طريقة الهنود الحمر!
الغريب أن معظم ضحايا صيدنا الجائر ثعابين مائية صفراء نحيفة تعانى من الأنيميا، نلتقطها وهى صغيرة تحاول جاهدة أن تعبر الترعة إلى الشاطئ الآمن بعيدًا عن متناول أسلحتنا. كنا قساة، قسوة تليق بشياطين صغار، ولم نعرف أن تغيير الجلد فى الواقع نشاط رئيسى يمارسه الكثيرون من بنى الإنسان ليس فى الجحور الغويطة بعيدًا عن العيون، إنما أمام الكاميرات، وفى برامج التوك شو، وتحت قبة برلمانات العالم الثالث السعيد.. سيصبح اليسارى المتطرف من رموز اليمين، والمعارض الشرس حمام السلطة الزاجل.. ورقصنى يا جدع، واعذرنى يا ثعبان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة