نُبحر سوياً اليوم داخل الباب الثالث "الحقوق والحريات والواجبات العامة"، والباب الرابع "سيادة القانون"، وبما أن الباب الرابع يحتوى على سبع مواد فقط، تمثل القيم والُمثل القانونية العليا واجبة التطبيق على الدولة والمجتمع، فاسمحوا لى أن أجعل الباب الرابع السيد فى مقال اليوم ونبدأ به.
لى ملاحظتان على ذلك الباب إذا ما قارناه مع نظيره من دستور الإخوان، الأولى: احتواء الدستور الجديد على جملة "لا جريمة إلا بنص قانونى"، وهو أمر بديهى يدرسه طالب أولى حقوق، لكن الكارثة كانت تكمن فى اللغم الإخوانى "لا جريمة إلا بنص قانونى أو دستورى"، بتلك الكلمة الزائدة يكتمل حقل الألغام الإخوانى فى دستورهم بحيث كنا مقبلين على اللا قانون واللا محاكمات واللا دولة، فتصبح جماعة الإخوان وحلفاؤها فوق الدولة والمجتمع، تفرض تصوراتها بالقوة والدستور يحميها، لنا فى مبرراتهم لذبح سائق المنصورة يوم الاثنين الماضى أقرب دليل، عزيزى القارئ يمكنك مطالعة مقال (٢) لتستحضر خريطة الألغام فى ذهنك.
أما الملاحظة الثانية فهى استحداث الدستور الجديد نصا قاطعا وواضحا يؤكد على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية، أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين جريمة لا تسقط بالتقادم.
نعود لنبدأ مع الباب الثالث، والذى يحتوى على مجموعة جيدة جدا من المواد، التى تمثل مستوى عاليا من صيانة وضمان الحقوق والحريات العامة، بصورة مطلقة غير مُقيدة، بأن ينظمها القانون، كما كان فى دستور ١٩٧١، أو تعبيرات مطاطة يفسرها الحاكم كيفما يشاء كما كان فى دستور الإخوان.
استحدثت مادة تؤكد على المساواة ومكافحة أى تمييز مع إنشاء مفوضية عليا لمكافحة التمييز، وهو ما يتماشى إجرائيا مع المعايير الدولية، لتكون بديلا عن مجلس العدالة والمساواة الذى أنشأه الإخوان، المشكل بقرار من رئيس مجلس وزرائهم والذى كان كل أعضائه إخوانا بالطبع، باستثناء فردين مسيحيى الديانة، فكان على سبيل المثال يضم داعية إخوانيا مقيما فى أوروبا، وشابا هتيفا إخوانيا، كل مقوماته أنه على صلة قرابة بأحد القيادات الإخوانية.
فى انتصار جديد للكرامة الإنسانية أصبح وجوبا أن يبلغ فوراً كل من يقبض عليه بالأسباب القانونية لذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، وليس بعد ١٢ ساعة، كما وضعها الإخوان بدستورهم مع بعض الاستثناءات المسقطة لحقوق المقبوض عليه.
نأتى فيما يخص حرية الصحافة بكافة أنواعها والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإليكترونى فهى مكفولة فى المطلق، بعكس مادة دستور الإخوان التى أضافت قيدا مطاطيا مُقيدا على حسب هوى الحاكم، وهو جملة "فى إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع"، يضاف إلى ذلك التأكيد على التزام الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، أما فيما يخص الإبداع الفنى والأدبى فقد تم التأكيد على حريته مع عدم جواز تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية إلا عن طريق النيابة العامة.
تماشياً مع النسق العام فى الدستور، فقد تم النص على حرية إنشاء النقابات والاتحادات العمالية، على أن لا يكون حل مجالس إداراتها إلا بحكم قضائى، أما فى دستور الإخوان فلأول مرة فى التاريخ الدستورى العالمى، كان متاحا حل النقابة بالكامل وإلغاؤها.
فى إدراك جيد للواقع المجتمعى، تم إقرار أربع مواد مستحدثة كلياً أو جزئياً، الأولى تلزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية خلال مدة زمنية محددة، المادة الثانية تنص على حظر التهجير القصرى التعسفى للمواطنين والذى كان ظلماً كبيراً يتكرر كثيراً فى مشاكل الثأر والفتن الطائفية المصطنعة، ومشاكل اجتماعية أخرى، المادة الثالثة والخاصة بحقوق الطفل فقد تم الالتزام من خلالها بحقوق الأطفال كاملة مع الالتزام بأعلى سن قانونية دولية، لعمر الأطفال وهو ١٨ عاما، أما المادة الرابعة فقد تم التأكيد بها على رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة والأقزام بالصيغة المتماشية مع المعايير العالمية، والتى نالت استحسان التنظيمات المصرية المعبرة عنهم على العكس من دستور الإخوان.
ننتهى من الباب الثالث بأهم ملاحظتين، الأولى وهى فيما يخص مباشرة الحقوق السياسية كالانتخاب والترشح، حيث تم إجازة الإعفاء من أداء هذا الواجب وفقاً للقانون، وهو ما يعنى إبعاد الشرطة والجيش عن الحقل السياسى على عكس ما نص عليه دستور الإخوان، ولى مقالة سابقة بهذا الشأن تحت عنوان "الجيش.. الأخونة أم التسييس؟"
أم الملاحظة الثانية والتى تعد من المكاسب الكبرى بالدستور الجديد حيث تم تجريم المتاجرة بالمشاعر الدينية فى العملية السياسية والانتخابية، بالنص على عدم جواز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أى أحزاب سياسية على أساس دينى.
وأخيراً يمكننا استيعاب بسهولة الفرق فى التعامل مع الحقوق والحريات العامة إذا ما عقدنا المقارنة ما بين المادة (٩٢) من الدستور الجديد والتى تنتهج الحقوق المطلقة التى لايجوز تقييدها بأى قانون، والمادة (٨١) من دستور الإخوان والتى تلغى المضمون الوارد فى النص الحقوقى عبر التقييد بالعموميات المطاطة . " بالبلدى بيديلك باليمين وبياخد بالشمال".
نكمل سوياً بإذن الله تعالى فى المقال القادم مع الباب الخامس "نظام الحكم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة