بعد 5 عقود من الكفاح المسلح للانفصال عن السودان، تحوّل حلم دولة الجنوب لـ"كابوس"، فيما تلوح فى الأفق رائحة "الحرب الأهلية"، بعد تصاعد حدة القتال بين القوات الحكومية، والقوات الموالية لنائب الرئيس المقال فى يوليو الماضى ريك مشار، الذى اتهمه الرئيس سيلفاكير ميارديت يوم الإثنين الماضى بتزعم محاولة انقلاب ضده.
ورأت مجموعة الأزمات الدولية فى تقرير لها على موقعها الإلكترونى، اليوم، الجمعة، أن جنوب السودان الدولة الوليدة التى طالما مزقتها النزاعات القبلية المسلحة، على أعتاب حرب أهلية، وذلك بعد امتداد أعمال العنف لـ"جونقلى" بعد الهجوم على معسكر تابع للأمم المتحدة بالولاية ذاتها.
وأكد التقرير أن "الحرب الأهلية" لا مفر منها، خاصة بعد انقسام الجيش الذى يجمع فى تكوينه الحركات المسلحة والثورية التى قادت معارك الانفصال مع الدولة الأم فى السودان، لافتا النظر إلى أن الأزمة التى كانت فى يوم من الأيام "سياسية" انتقلت لصفوف الجيش الشعبى الذى عانى على مدار أعوام من الأزمات الداخلية الطاحنة، وورث من السودان الأم سلبيات التعددية العرقية.
ولفت التقرير النظر إلى أن هناك مَن يتعطش لأيام المعارك العرقية التى قادها جيش التحرير الشعبى، فيما تسعى كل الأحزاب لمزيد من إراقة الدماء لفشلها فى وقف الأزمة التى تستدعى تدخلا وسيطا خارجيا "نزيها"، معتبرا أن ما يجرى فى جنوب السودان هو صراع على السلطة.
ودعا التقرير طرفى النزاع الرئيس سيلفاكير ميارديت ونائبه المقال ريك مشار لأن يحذوا حذو القيادات الكنسية، وأن يدعوا أنصارهما لنبذ العنف، مشددا على ضرورة تدخل أطراف خارجية تلبية دعوة مجلس الأمن الدولى، الإثنين الماضى، لوقف العنف خصوصا ضد المدنيين، وإطلاق حوار عاجل بين كير ومشار.
وشدد التقرير على ضرورة أن تضطلع بعثات الأمم المتحدة بدور أكبر لحماية معسكراتها هناك، خصوصا فى "جونقلى" الولاية التى مزقتها النزاعات العرقية والطائفية، وشهدت أمس هجوما على مقر تابع للأمم المتحدة، أسفر عن مقتل 3 جنود هنود من بعثات حفظ السلام، وأن تبقى، فى الوقت نفسه، على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
وذكر التقرير أن "مجموعة دول الترويكا التى دعمت محادثات السلام بين السودان ودولة الجنوب فى 2005، لا بد أن تندد وبشكل صريح بأعمال العنف ضد المدنيين، وتدعم جهود قوات "إيجاد للوساطة".
ووصل، فى وقت سابق اليوم، وفد من الهيئة الحكومية للتنمية بدول شرق أفريقيا "إيجاد" برئاسة وزير الخارجية الإثيوبية، لإجراء محادثات مع سيلفاكير لإيجاد مخرج للأزمة.
على الصعيد نفسه، أفادت قناة "سكاى نيوز" بأن قوات أوغندية انتشرت فى عاصمة جنوب السودان جوبا التى شهدت معارك عنيفة اندلعت الاثنين الماضى، وأودت بحياة نحو 500 شخص، وفقا لما ذكره مساعد الأمين العام لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إيرفيه لادسو أمام مجلس الأمن الدولى، مشيرا إلى فرار ما بين 15 إلى 20 ألف مدنى إلى معسكرات تابعة للأمم المتحدة هربا من المعارك.
من جانبه، أوضح الصحفى بصحيفة "التليجراف" البريطانية ديفيد بلير، فى مقال تحليلى، اليوم، أن إدارة "كير" القائمة على العسكرة والاستبداد والفساد فشلت فى بناء الدولة.
وأشار بلير إلى أن الطرفين يتبادلان الاتهامات بالمسئولية عن الأحداث الحالية، حيث سارع "كير" الإثنين الماضى إلى إعلان إحباط محاولة انقلاب بقيادة "مشار"، الأمر الذى نفاه "مشار"، مؤكدا أن الأحداث كلها حدثت نتيجة "سوء فهم" لدى الحرس الجمهورى لـ"كير"، موضحا أن قواته تعرضت للهجوم أولا بسبب الانتقادات التى وجهها لإدارة "كير" الذى وصفه بـ"الديكتاتور".
ونبه بلير إلى أن الوضع "خطير" خاصة بعد إجلاء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا رعاياهم، وسحب الموظفين الدبلوماسيين غير الأساسيين من البعثات الدبلوماسية، قبل أن تحذو ألمانيا حذوهم، حيث بدأ الجيش الألمانى اليوم إجلاء نحو مائة مواطن ألمانى من دولة جنوب السودان.
وقال متحدث باسم قيادة المهام الخارجية للجيش الألمانى إن طائرة نقل من طراز "ترانسال" أقلعت من دولة جنوب السودان صباح اليوم وعلى متنها مواطنون ألمان، ووفقا لبيانات وزير الخارجية الألمانية فرانك-فالتر شتاينماير سيتم مبدئيا نقل 55 ألمانيا إلى أوغندا المجاورة.
من جهتها، أعربت الدكتورة أمانى الطويل عن اعتقادها بأن جنوب السودان ربما يواجه فى الفترة المقبلة صراعا مسلحا يمتد لعدة شهور، مرجحة تصاعد الصراع على المستويين السياسى والشعبى.
وقالت أمانى الطويل: "سيلفاكير ربما يفشل فى تحقيق الاستقرار.. لذلك أعتقد بأنه سيلجأ للمفاوضات فى محاولة لمنع الاقتتال القبلى بين قبيلتى النوير التى ينتمى لها مشار، والدينكا المنتمى لها سيلفاكير".
وحول احتمال تدخل إسرائيل فى الأزمة فى جنوب السودان باعتباره حليفا استراتيجيا، استبعدت "الطويل" أن تتدخّل تل أبيب لحل الأزمة، إلا أنها رجحت أن تضطلع الولايات المتحدة الأمريكية بدور بناء لرأب الصدع بين أطراف الأزمة، بينما ستسعى الأمم المتحدة لخلق فرص للتفاوض.
جنوب السودان على أعتاب حرب أهلية.. القوات الأوغندية تنتشر فى جوبا.. وامتداد أعمال العنف لـ"جونقلى".. مجموعة الأزمات الدولية تؤكد: هناك أطراف تتعطش للمعارك العرقية.. "التليجراف": إدارة سيلفاكير مستبدة
الجمعة، 20 ديسمبر 2013 03:21 م