تتجه روسيا بقوة إلى إحياء علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك من خلال تنشيط أوجه التعاون السياسى والتنموى مع دول كان للاتحاد السوفيتى السابق علاقات مميزة معها، وتعد العلاقات بين روسيا وأنجولا من المسارات المرشحة، لكى تشهد فورة نشاط قوى فى المرحلة القادمة، وفقًا لهذا التصور الذى كشف مسئولون فى الخارجية الأنجولية النقاب عنه.
وكان الاتحاد السوفيتى السابق، قد دعم بقوة حركات التحرر الأفريقية ومن بينها حركة تحرير أنجولا، التى صارت الآن حزب أنجولا الذى يحكم البلاد، لكن انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، أدى إلى تراجع فى مستوى العلاقات مع أنجولا، وأدى ذلك إلى نشوء تيارات متمردة على سابق علاقات أنجولا مع السوفيت، وهو ما أدى بالتالى إلى اندلاع الحرب الأهلية الأنجولية التى استمرت خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضى.
ويرى المراقبون، أن علاقات روسيا الاتحادية اليوم مع شركائها الأفارقة تكتسب مفاهيم جديدة للصداقة، تقوم على أسس الاقتصاد والمنفعة المتبادلة وليس التبعية العقائدية، كما كان عليه الحال فى السابق إبان الاتحاد السوفيتى الذى كان يسعى لبناء إمبراطورية كونية فى مواجهة المعسكر الغربى.
ويرجح المراقبون، أن يتخذ مسار التعاون الاقتصادى سرعة أعلى من باقى مسارات التعاون بين روسيا وأنجولا، بالنظر إلى احتياج أنجولا للاستثمارات الكثيفة فى قطاعها النفطى البازغ، لكن بعضهم يرى أن حرب المصالح من خارج أفريقيا المتكالبة على فرص الاستثمار فى اقتصادياتها البازغة ومن بينها اقتصاد أنجولا، قد يخلق مناخ منافسة ضارية مع القادم الروسى اليها، وتعد الصين والهند والبرازيل والولايات المتحدة من أبرز المتنافسين المحتملين للتوجه الروسى الساعى إلى تعزيز مكانته فى أنجولا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وفى السابع عشر من أكتوبر الماضى، أبرمت حكومتا روسيا وأنجولا اتفاقًا لتوريد أسلحة ومعدات حربية روسية بمبلغ مليار دولار إلى أنجولا، وقال مسئولون فى شركة "روس أوبورون إكسبورت" الروسية المصنعة للأسلحة، إنه تم توقيع الاتفاقية فى أعقاب الزيارة التى قام بها إلى أنجولا دميترى روجوزين، نائب رئيس الوزراء الروسى المسئول عن شئون قطاع الصناعات الحربية، وتقضى الاتفاقية بتوريد قطع غيار لأسلحة سوفيتية الصنع وتزويد الجيش الأنجولى بالأسلحة الخفيفة والذخائر والدبابات والمدافع ومروحيات "مى 17".
واتفق الجانبان أيضًا على بناء معمل لصنع الذخائر فى أنجولا بمساعدة الخبراء الروس، كما تقضى الاتفاقية بتوريد مقاتلات "سوخوى – 30 كا" التى كانت سابقًا فى سلاح الجو الهندى. وكانت الهند قد اشترت عام 1999 من روسيا مقاتلات "سوخوى – 30 كا" القديمة، بشرط أن تستبدلها فى ما بعد بمقاتلات "سوخوى 30 إم كا آى" المطورة نسبيًا، على أن تتم إعادة الطائرات القديمة إلى روسيا. وقد اتفقت روسيا على بيع هذا النوع من الطائرات إلى أنجولا، التى تحولت الآن إلى أهم الدول الشريكة لروسيا فى القارة الأفريقية وعلى الصعيد السياسى أيضًا.
وتدعم روسيا طموحات الأفارقة فى الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن الدولى، حال إصلاح أوضاعه وإعادة هيكلته، وتعد جنوب افريقيا هى الدولة الأفريقية الوحيدة العضو فى تجمع "بريكس" إلى جانب روسيا وهو التجمع الذى يضم كذلك البرازيل والهند والصين وهى بلدان ثلاثة تنافس الطموح الروسى القادم إلى أفريقيا، ومن ثم سيكون له تأثيره على تفاعلات المصالح الاقتصادية والسياسية لروسيا مع بلدان القارة ذات الاقتصاديات الناشئة.
ويتوقع المراقبون فى وزارة الخارجية الأنجولية، أن يكون التعاون فى المجالات العسكرية فى صدارة أوجه التعاون بين روسيا وبلادهم، ويرى خبراء معهد الشئون الدولية فى جنوب أفريقيا، أن الدخول الروسى للقارة السمراء سيكون مختلفًا عن الدخول السوفيتى إليها فى حقبة الستينيات، ويرصد خبراء المعهد حدوث أوجه للتلاقى وأخرى للتنافر بين التوجهات الإقليمية لجنوب أفريقيا تجاه جيرانها فى القارة، وبين المساعى الروسية للعمل مع دول إقليم جنوب الصحراء، ويؤكد خبراء المعهد، أن روسيا لديها سبق فى مجالات التعاون التنموى وتصدير التكنولوجيا لبلدان القارة الأفريقية، كما أن المجال واسع للغاية أمام المؤسسات الروسية المالية والاقتصادية لبناء شراكات طويلة الأمد مع بلدان للقارة، وإقامة مشروعات مشتركة ذات طابع استثمارى وأخرى فى مجالات البحوث والتطوير.
يذكر فى هذا الصدد، أن تعاونًا بحثيًا فى مجالات التنمية الشاملة، قد أبرم فى وقت سابق من العام الجارى بين معهد الشئون الأفريقية بالأكاديمية الوطنية للعلوم فى موسكو وبين مؤسسة "المجتمع المفتوح" فى جنوب أفريقيا.
توجه روسى للانفتاح على دول جنوب الصحراء.. وأنجولا هى نقطة البداية
الأربعاء، 11 ديسمبر 2013 09:19 ص