أثار تفجير سيارة مفخخة، مساء الخميس الماضى، بمدينة تل أبيب، الجدل مجدداً عن دور عصابات الإجرام المنظمة "المافيا" داخل إسرائيل، وتهديده لاستقرار الأوضاع الأمنية داخل الدولة العبرية، خاصة أن الشكوك اتجهت كون الحادث الأخير إجرامياً وليس إرهابياً.
ومما يؤكد خطورة الموقف وتصاعد الهجمات الإجرامية داخل إسرائيل نتيجة زيادة عمليات "المافيا" فى الفترة الأخيرة، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتانياهو، الجهات المختصة بالتحقيق فى حادث تفجير السيارة، والتى كانت تعود لأحد أعضاء النيابة العامة فى تل أبيب.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلى، إن الانفجار وقع بالقرب من مستشفى "يخلوف" وسط مدينة تل أبيب، وتبين وفق تحقيقات الشرطة، أنه ناجم عن تفجير سيارة تعود لمسئول كبير فى النيابة الإسرائيلية كانت متوقفة فى شارع "دفنا" بالمدينة، دون وقوع إصابات، حيث ساد الاعتقاد لدى الشرطة الإسرائيلية أن الهدف من تفجير سيارة وكيل النيابة المتخصص فى القضايا الجنائية لم يكن ترهيبه، وإنما تصفيته.
فيما نقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية يهودا فاينشتاين، وصفه للحادث بأنه تجاوز للخطوط الحمراء، وعمل خطير لم يسبق له مثيل.
وفى السياق نفسه، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن الشرطة الإسرائيلية أعلنت حالة الطوارئ فى شوارع تل أبيب، والمدن الرئيسية فى إسرائيل، لارتفاع موجة التفجيرات الجنائية فى إسرائيل، حيث سجلت الشرطة 8 انفجارات فى الـ3 أشهر الأخيرة استهدفت أفراد وسيارات فى مدن إسرائيلية مختلفة.
ولم تكن عملية التفجير الأخيرة التى تمت وسط تل أبيب هى الأولى من نوعها التى تشنها "المافيا" الإسرائيلية، بل تدخل ضمن عمليات تفجير السيارات المفخخة فى مراكز المدن الإسرائيلية، بجانب محاولات التصفية الجسدية والسطو على البنوك، وتجارة المخدرات وتزييف الأموال وغسيل رؤوس المال، والتى أصبحت جزءاً صغيراً من عمليات عائلات الجريمة المنظمة فى إسرائيل.
فللوهلة الأولى يبدو الأمر الذى انتشر بشدة فى الفترة الأخيرة كمَشاهد من فيلم من إخراج وإنتاج "هوليوود" حول الجريمة وعصابات المافيا، لتشكل فى الواقع أفضل الأفلام التى تم إخراجها، حيث تقع محاولات تصفية مجرمين كبار خلال عشرة أيام فقط.
وتصل صراعات عصابات الجريمة فى إسرائيل إلى أرقام قياسية جديدة عندما يتم تفجير سيارات مفخخة وتنظيف حسابات قديمة وجديدة فى وضح النهار، دون اعتراضٍ من أحد، فى مدن إسرائيل الكبرى.
وقال موقع "المصدر" الإخبارى الإسرائيلى، إن النقد المدنى الحاد الموجه ضد نشاط الشرطة، خاصة فشلها فى القضاء على ظواهر العنف فى السنوات الأخيرة، يمحو كل محاولة لإضفاء ولو قليل من الأمن للمواطن البسيط، الذى قد يجد نفسه فى أى لحظة وسط عمليات تبادل للنيران بين عصابات المافيا فى جنوب إسرائيل ووسطها.
وحصدت الحرب بين عصابات الجريمة المنظمة على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، أرواح 16 إسرائيليا، وذلك فى تل أبيب ومحيطها فقط، حيث قتل بعضهم فى تفجير عبوات ناسفة، وآخرون جراء إطلاق نار، وهناك من قطع رأسه وتم دفنه فى مكانٍ مجهول، لكن التصفيات لا تتوقف عند حدود وسط إسرائيل فقط، حيث تصل العبوات الناسفة إلى جنوب إسرائيل وشمالها أيضا، وكذلك قسم من المرتبطين بالأحداث اختفوا من فوق ظهر الأرض، ولا يعلم أحد حتى الآن ما هو مصيرهم.
وأوضح الموقع الإخبارى أن الشرطة الإسرائيلية لا تقف مكتوفة الأيدى، حيث إن الوحدة المركزية فى لواء تل أبيب، "يمار" وطاقم خاص من وحدة "لاهف 433" تكرس وقتا وترصد قوى عاملة كثيرة فى محاولة منها لمنع وقوع التصفية القادمة، لكن غالبية الحالات تبقى غامضة غير محلولة، وبالتالى لا يصل المتهمون إلى المحاكم.
وإضافة للصعوبات الداخلية التى تعانى منها الشرطة فى الكشف عن المتورطين فى منع التصفية القادمة، فإن رجال الشرطة يقولون إن جهاز القضاء، والقوانين فى إسرائيل بالذات، تصعب من مهمتهم فى وضع حد للجريمة المنظمة داخل إسرائيل، أو على الأقل التضييق على العائلات ذات الصلة.
ووفقا لأقوال مسئول كبير فى الشرطة الإسرائيلية، فإن جهازه الاستخبارات ممتاز ولديه أذرع داخل التنظيمات، لكن القانون هو الذى يقيد أيديهم، موضحا أنه على سبيل المثال عندما تنجح الشرطة فى الحصول على معلومات استخباراتية من مجرمين، لا يمكنها أن تستخدم هذه المعلومات فى المحكمة لأنه إذا طلب محامى الدفاع الكشف عن مصدر المعلومات، فإن رجال الشرطة سيضطرون للكشف عن المخبرين، وليس هناك قانون يحميهم تجاه هذه الخطوة.
وتشير الشرطة الإسرائيلية إلى مشكلة إضافية، والتى ترتبط فى واقع الأمر بالمشكلة الأولى، وذلك بشأن العقاب المتبع فى إسرائيل، حيث توقع الجهات الأمنية فى الولايات المتحدة الأمريكية على المجرمين عقابَ السجن لعشرات السنين الطويلة، ما يجعل من مصلحة المخالِفين أن يتحولوا إلى شهود ملَكيين بمعنى شهود دولة، أما فى المقابل، فالعقاب فى إسرائيل أقصر بكثير، ويفضل الكثير من المخالفين أن يتعرضوا لست سنوات من السجن بدلاً من التحول إلى شهود ملكيين والعيش فى خوف.
ومن خلال محاولة لرسم ملامح الجريمة المنظمة فى إسرائيل، تبرز معلومات غير اعتيادية حول قدرات عائلات الجريمة وحول قابليتها فى كل لحظة لإلقاء الرعب ليس على الشرطة وجهاز القضاء والتطبيق فحسب بل أيضًا على كل مواطن فى إسرائيل.
وتشير تقديرات الجهات الأمنية فى إسرائيل إلى أن دخل منظمات الجريمة فى إسرائيل لا يقل عن 30 مليار شيكل فى السنة، وقد تعدت مصادر الدخل فى السنوات الأخيرة لتشكل السوق الرقمى، خاصة القمار عبر الإنترنت حيث تتراوح الدورة المالية السنوية بين 4 إلى 10 مليارات شيكل.
وفى المقابل، احتدم الصراع على سوق الصرافة، الذى هو أيضا مزدهر، حيث تقدر الدورة المالية فيه بمليارين نصف المليار شيكل، وعلى توزيع الفواتير المفبركة بواسطة شركات وهمية مثل شركات بناء ووقود ومعامل صقل الماس وغيرها، حيث تقدر الدورة المالية بنحو 10 مليارات شيكل.
وبالإضافة إلى مجالات النشاط المذكورة، التى تعتبر جديدة نسبيًا، فإن باقى مصادر الدخل تعتبر من مجالات منظمات الجريمة كتجميع الديون والقروض فى السوق السوداء بنحو 7 مليار شيكل، وتحصيل إتاوات بنحو 5.2 مليار شيكل، والقمار والدعارة والمخدرات بنحو 2 مليار شيكل وتجارة المعادن بنحو 3 مليارات شيكل، تشغيل شبكات قمار غير قانونية ضمن مباريات كرة القدم فى إسرائيل والخارج بنحو 4 مليارات شيكل، وتهريب أموال بنحو 2 مليار شيكل.
وتنشر الشرطة الإسرائيلية كل نصف عام تقريرًا أستخباراتيًا سريًا، يضم قائمة منظمات الجريمة الأكثر نشاطًا وخطرًا حتى ذلك الفترة، على أمل أن تصل إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو القضاء على ظاهرة الجريمة المنظمة، لكن الحال اليوم هو أنه لا تزال ينتظرها الكثير من التحديات فى الطريق وسنوات طويلة من المواجهات الصعبة سواءً على المستوى الاستخباراتى أو الإدانة أو القضاء والتنفيذ.
"حرب العصابات" الخطر الأكبر ضد إسرائيل.. تفجير سيارات مفخخة ومحاولات تصفية جسدية وسطو مسلح على البنوك وتجارة مخدرات وتزييف وغسيل أموال أهم عمليات "المافيا" الإسرائيلية داخل الدولة العبرية
السبت، 09 نوفمبر 2013 01:32 م
إحدى عمليات التصفية الجسدية وسط تل أبيب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة