المستشار إسلام إحسان

القضاء التأديبى بين الحقائق والتضليل

الجمعة، 08 نوفمبر 2013 08:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مما لا شك فيه أن إصلاح المرافق العامة وإعادة الانضباط الوظيفى إليها, والقضاء على الإهمال الوظيفى, أهداف مشروعة يجب تحقيقها اليوم قبل الغد, وتحقيقها فرض عين على كل وطنى مخلص يريد الصالح العام, فحال المرافق العامة لا يسر, والتأديب بصورته الراهنة عاجز عن محاربة الفساد وحماية المال العام , فلا مفر إذن من التطوير.
من أجل ذلك كله اتجهت لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية إلى التفكير فى إنشاء جهة قضائية جديدة مختصة بالقضاء التأديبى فقط, تكون النيابة الإدارية جزءاً منه.

ونظرا لأهمية الموضوع, وحاجة البلد إليه, كان من المفترض, أن تتم مناقشته فى جو من الموضوعية, التجرد, بعيدا عن التعصب, والانفعال, الذى ضاعت معه الكثير من الحقائق القانونية والموضوعية.

لقد بنى المعترضون اعتراضهم على أساس أنه لا يجوز المساس باختصاصات مجلس الدولة, وكأن قواعد اختصاص المحاكم قواعد قرآنية منزلة من السماء, لا يجوز المساس بها ولا الاقتراب منها, رغم أنها فى حقيقتها قواعد قانونية وضعية, من صنع المشرع الدستورى وحده, المنوط به تحديد اختصاص الهيئات القضائية, بما يحقق الصالح العام المتمثل فى سرعة الفصل فى الدعاوى, وبالتالى لا يحق لأى جهة, أن تعترض على مباشرة الجمعية التأسيسية لدورها الأصيل.

الحقيقة التى يجب أن يعلمها الشعب هى أن إنشاء جهة القضاء التأديبى, لا يمس اختصاص مجلس الدولة فى نظر طعون الموظفين على قرارات الجزاء, فذلك اختصاص لمجلس الدولة لا ينازعه أحد فيه, إنما ستتولى الجهة القضائية الجديدة نظر الدعاوى التأديبية المتهم فيها الموظف العام بارتكاب جرائم لتوقيع العقوبة التأديبية عليه, وهى دعاوى مماثلة فى طبيعتها العقابية للدعاوى الجنائية, ومن ثم يكون من المنطقى أن يتم تنظيم الكيان القضائى الذى يتولى التحقيق والفصل فيها على غرار القضاء الجنائى.

إن إنشاء جهة قضائية مستقلة جديدة تضم المحاكم التأديبية, والنيابة الإدارية باعتبارهما كيانا واحدا , يحقق المصلحة العامة المتمثلة فى القضاء على بطء التقاضى, إذ سيؤدى التعديل المرتقب إلى زيادة عدد دوائر المحاكم التأديبية بما يقضى على تأخر الحكم فى الدعاوى التأديبية لمدد طويلة, رغم أن القانون حدد مدة شهرين فقط للحكم فيها, وهو ما لا يحدث على الإطلاق, إذ لا توجد دعوى تأديبية فى مصر يفصل فيها فى غضون شهرين, والسبب المباشر فى ذلك قلة عدد قضاة مجلس الدولة الذين لا يتجاوز عددهم 2000 عضو, والمثقلين بأعباء الفصل فى ملايين المنازعات الإدارية, بالإضافة إلى قضايا الضرائب التى أحيلت إلى مجلس الدولة مؤخرا, بالإضافة إلى أعمال الفتوى ومراجعة التشريعات وأعمال هيئة مفوضى الدولة, ذلك كله يمكن التغلب عليه, بالاستعانة بأعضاء النيابة الإدارية البالغ عددهم 4200 عضو يتساوون فى الرواتب وكافة المزايا المادية مع سائر أعضاء الجهات القضائية الأخرى, بإتاحة السبيل أمامهم لاعتلاء منصة المحاكم التأديبية أسوة بأعضاء النيابة العامة, والنيابة العسكرية, وبذلك يمكن إنشاء مئات الدوائر التأديبية, بما يحقق سرعة الفصل فى الدعاوى التأديبية, ويحقق الانضباط الوظيفى, بما يحقق مصلحة المرفق العام, فعدد دوائر المحاكم التأديبية فى مصر حاليا 16 دائرة فقط، على مستوى الجمهورية تنظر الدعاوى التأديبية لأكثر من 6 ملايين موظف عام.

لقد أشاع المعترضون أن النص الجديد سيؤدى إلى أن تجمع النيابة الإدارية بين سلطة التحقيق وسلطة الحكم فى الدعوى التأديبية, رغم مخالفة ذلك للحقيقة, فلم يقل أحد، إن النيابة الإدارية ستتولى التحقيق والفصل فى الدعوى التأديبية, فالطبيعى أنه سيكون هناك فصل بين جهة التحقيق, وجهة الحكم فى الدعاوى التأديبية, فيتم اختيار القضاة الذين يحكمون فى الدعاوى التأديبية ممن لم يسبق لهم مباشرة أى عمل من أعمال التحقيق أو الاتهام فيها.


إن الحقيقة التى لا يمكن إغفالها تقول إن المحاكم التأديبية عند إنشائها لأول مرة فى مصر عام 1958 كان أمام المشرع قانون مجلس الدولة، وقتذاك رقم 112 لسنة 1946, ولكنه لم ينص على هذه المحاكم فى هذا القانون، وإنما اختار بدلا منه اصدار قانون جديد مستقل برقم 117 لسنة 1958 أسماه قانون تنظيم النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية, ولم يكن هذا التصرف عفوياً من المشرع, إنما تصرف مقصود يبين منه رؤية المشرع لوضع الهيئة الوليدة آنذاك النيابة الإدارية ومستقبلها وعلاقتها بالمحاكم التأديبية, والتى أوضحها فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون, وبين أنه قام بتسمية الهيئة الوليدة بالنيابة الإدارية نظرا لأنها تماثل فى طبيعة عملها عمل النيابة العامة, فهى سلطة التحقيق والادعاء التأديبى, وأطلق المشرع على الوظائف القضائية بها ذات مسمى الوظائف القضائية بالنيابة العامة مثل وكيل نيابة ورئيس نيابة ومساعد ومعاون نيابة, ومن هنا يكون من المنطقى تماما أن يتاح لأعضائها ما يتاح لأعضاء النيابة العامة, وذلك بالتبادل بين أعضاء النيابة الإدارية وقضاة المحاكم التأديبية, وفق ذات القواعد التى تتبع فى التبادل بين النيابة العامة والقضاء الجنائى, والنيابة العسكرية والقضاء العسكرى, إذ لا توجد نيابة فى مصر لا ينقل أعضاؤها للعمل بالقضاء إلا النيابة الإدارية, وهو وضع خاطئ, لا يوجد أى مبرر موضوعى لاستمراره.

والدليل على صحة ما نقول إن المشرع بعد إنشاء المحاكم التأديبية, عدل قانون مجلس الدولة عدة مرات بالقوانين رقم 55 لسنة 59, 31 لسنة 63 , 44 لسنة 64 , إلا أنه تعمد عدم النص على المحاكم التأديبية به, وتركها كما هى فى قانون النيابة الإدارية, وهو ما يقطع بما وقر فى عقيدة المشرع ويقينه من وجود ارتباط عضوى ومنطقى وحتمى بين النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية.

حقا عندما أنشئت المحاكم التأديبية لأول مرة, كانت تشكل تشكيلا مختلطا من أعضاء مجلس الدولة, وموظفين إداريين, ولم ينص القانون على أن يعين أعضاء من النيابة الإدارية قضاة بها, والسر فى ذلك أن النيابة الإدارية كانت ومازالت فى طور التكوين عند إنشاء المحاكم التأديبية, إذ لم يكن قد مضى على إنشائها وقتئذ إلا أربع سنوات فقط, وكان عدد أعضائها حينذاك لا يتجاوز المائة عضو, من رجال القضاء والنيابة العامة الذين نقلوا إلى النيابة الإدارية, وعلى رأسهم المستشار محمد سلامة, الذى تولى وزارة العدل بعد ذلك, فكان من الطبيعى أن يختار المشرع قضاة المحاكم التأديبية من أعضاء مجلس الدولة, وهى ظروف تغيرت الآن بعد مضى ستين عاما, اكتمل فيها تشكيل النيابة الإدارية, حتى صار عدد أعضائها ضعف عدد أعضاء مجلس الدولة, فبات من المنطقى تصحيح الأوضاع.


والغريب أن أعضاء مجلس الدولة يعترضون على أن يسند إلى أعضاء من النيابة الإدارية الفصل فى الدعاوى التأديبية ويزعمون بأن أعضاء النيابة الإدارية ليست لديهم خبرة الفصل فى الدعاوى التأديبية, رغم أن المشرع فى عشرات القوانين يسند مهمة الفصل فى الدعاوى التأديبية إلى موظفين إداريين غير متخصصين أصلا فى القانون فى مجالس التأديب المختلفة, ورغم ذلك لم يعترض مجلس الدولة على هذا, بل يعتبر قرارات مجالس التأديب التى يشترك فى إصدارها هؤلاء الموظفون فى ذات مرتبة الأحكام التى تصدرها المحاكم التأديبية, فهل هؤلاء الموظفون أكثر خبرة ودراية من أعضاء الهيئة القضائية المتخصصة فى التأديب.

إن حقائق الحياة تقول إن معارضة التطوير والتحديث أمر طبيعى, ودائما ما يحدث, لكن تقول أيضا إن انتصار إرادة الإصلاح والتطوير أمر حتمى, حتى يجنى الشعب ثمار ثورته
* مستشار بالنيابة الإدارية.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد العدوى

إلى كل مخلص من أعضاء لجنة الخمسين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة