معصوم مرزوق

هدنة لله يا شعب المحروسة!

الأحد، 03 نوفمبر 2013 07:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتب بيرم التونسى: «يا أهل المغنى، دماغنا وجعنا.. دقيقة سكوت لله».. وأظن لو أنه كان يعيش بيننا الآن لكتب: «يا أهل المحروسة، كفايا سياسة.. ثانية هدوء لله»..

الطريف أن النخب المصرية على مر زمانها القديم والمعاصر كانت لا تفتأ عن الشكوى من سلبية الشعب المصرى، واعتزاله السياسة، وإيثاره السلامة، وانشغاله بتوافه الأمور، وكانت السياسة تعد من اختصاص أهل الحكم، ومن لف لفهم أو حولهم من طامعين أو ممن لم يجدوا مهنة أخرى مفيدة، بل وصل الأمر إلى احتقار السياسة والساسة باعتبار ممارستها نوعًا من النصب الأنيق الذى يحترفه بعض اللصوص، ممن سمحت الظروف باعتلائهم قمة المجتمع.

وبشكل ما كانت السياسة طلسمًا مغلقًا أو مستغلقًا على أغلب الناس، ونوع من الجرب يتحاشاه الإنسان المحترم، فالحاكم وبطانته يعرفون كل شىء وبيدهم الأمر والتدبير، وسيطرت على العقل الجمعى فلسفة عميقة مؤداها «قدسية الطاعة لأولى الأمر»، وهى فلسفة غذاها نخب ورجال فكر ودين، وعرقلت هذه الفلسفة كل محاولات المقاومة والخلاص التى كانت تبرز من حين لآخر بين مجموعات محدودة من المغامرين.

وفى 25 يناير 2011، سقط الجدار فجأة.. تهاوى إيوان الحاكم المسكون بأشباح التسلط والاستبداد المخيفة وكأنه بيت من ورق.. وسارع سدنة الحاكم للهرب مثل الجرذان كى يتواروا فى الشقوق.. اكتشف الشعب فجأة زيف كل القيم التى عاش يقدسها، ليجد أن بإمكانه أن يحطم الصنم، وأنه بدلًا من الخروج للحاكم بالهتاف والرقص والزمر والطبل، فإنه يمكنه أن يخرج على الحاكم كى يهتف «الشعب يريد إسقاط النظام»، ومنذ ذلك التاريخ المجيد انكسر طوطم السياسة الغامض، وتلاشت هالة القداسة المرعبة التى كانت تحيط به، وأصبحت السياسة طعام كل يوم على موائد المصريين.. تضاءل الاهتمام القديم بمباريات كرة القدم، وصراع الأهلى والزمالك، لم تعد المسلسلات التليفزيونية تلاقى الاهتمام الذى تحظى به برامج الحوار السياسى، وأصبح كل مصرى فجأة خبيرًا استراتيجيًا، وتعددت مصادر الفتوى ربما بعدد الشعب المصرى بما فى ذلك الأطفال، فالكل يفتى فيما يعرفه وما لا يعرفه، وأصبح الوطن بحق مملوكًا لأصحابه الحقيقيين، وتواضعت النخب وبدأت تضع فى أحاديثها جملة مكررة وهى: «الشعب يريد»، أصبحت السياسة على المشاع لكل من هب ودب، وترتب على ذلك أنها لم تعد سياسة، وأصبحت الملكية تدريجيًا ملكية مفتتة، وتحول صراع الأهلى والزمالك إلى صراع ما بين فريق سياسى وآخر، بنفس التعصب والاستقطاب الجاهل الذى يدفع بالمجتمع كله إلى حافة الجنون أو الانتحار.

وكانت تجربة الإخوان المسلمين البائسة فى الحكم نكسة حقيقية لتيار الثورة الذى اكتشفه الشعب المصرى، ولعل أسوأ ما أسفرت عنه هو أنها أسهمت بشكل واضح فى انقسام المجتمع المصرى، بل إن الأسوأ أنها لم تشأ أن تعترف بفشل التجربة واختارت أن تدفع أتباعها من بسطاء شعب مصر إلى الاهتمام. ربما تساعدنا حكمة العم بيرم التونسى فى هدنة نتفق عليها ولو لمدة ستة أشهر، هدنة نتوقف فيها عن «السياسة»، نقلع فيها عن الجدل البيزنطى، نلتقط أنفاسنا ونراجع أنفسنا، فربما نكتشف مرة أخرى أن الساسة المحترفين يلعبون بنا جميعًا، ربما وجدنا أن ما يجمعنا أضعاف ما يفرقنا، ربما أدركنا أن كل ساعة نضيعها فى هذا العراك العبثى يحرمنا من الالتفات إلى المخاطر الحقيقية التى تهددنا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة