معصوم مرزوق

هوامش على كتاب العبور

الأحد، 06 أكتوبر 2013 02:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل عاد هناك تين وزيتون، أو طور سنين؟ أم أن كل الكون صار يمتص فى شجرة الزقوم، وأصبحنا فى منتصف البحر ننبش فى القاع، ولم يعد فى الأفق اتساع، وكل ما كان بهجة ولى وضاع.. هل.. هل تمزقت الشراع؟..

صباح الخير يا رفاق.. فى مثل هذا التوقيت قبل 40 عاماً، كان القائد يسلمنا أمر القتال.. كم تمنيت لو استطاعت كلماتى التى كتبتها على مر هذه السنوات أن تصف التوهج والحماس الذى سطع فى وجوه الشباب والفرحة المكتومة.. تم إخطارنا أيضاً برخصة الإفطار مع توزيع حبات البلح على القوات.. رفض عدد كبير الأخذ بهذه الرخصة، وفضلوا أن يعبروا القناة صائمين، والمدهش أن أوائل الشهداء كانوا من الصائمين، وكأن الله عز وجل أراد أن يسارع بمكافأتهم.. حين جاءتنا الأوامر بفتوى السماح بالإفطار، تناول الرائد جمال بلحة كى يشجعنا على الاقتداء به، وأمر بتوزيع البلح.. كان الملازم محمود عبدالبارى من بين من رفضوا الإفطار.. كانت طلقات العدو أول ما دخل أمعاءه بعد العبور.. يا محمود.. هل تسمعنى؟.. وحشتنى..

حين علمت مؤخراً بوفاة رفيق الصاعقة الصديق، تذكرت.. كان معى فى خندق واحد، تقاسمنا قطعاً جافة من الخبز المخلوط بالرمال، هرول من موقعه كى يودعنى قبل خروجى إلى عملية خلف خطوط العدو، عانقنى وهمس دامعاً: «أوع تموت يا دفعة!».. مات الرفيق محمد مقاتل الصاعقة العظيم مؤخراً فوق فراشه، لم يبق من قدامى الرفاق سوى حفنة قليلة، تختفى تدريجياً تلك الكواكب التى تألقت فى سماء الوطن..

رفيق سلاح آخر، قابلته آخر مرة قبل عشرين عاماً فى فلوريدا، وحين التقينا لم نكن نريد للوقت أن ينتهى، تذكرنا سوياً أيامنا على ضفاف قناة السويس، ونحن نحدق بألم وأمل فى العلم الصهيونى على الضفة الأخرى.. سمعت منه شكواه من تجدد آلام إصابته فى ساقه اليمنى، وتكرار رفض التماسه لاستكمال علاجه فى الخارج، واضطراره للبحث عن فرصة عمل فى أمريكا كى يستكمل العلاج.. سمعت منه أشواقه للانطلاق بساقيه مسابقاً الرياح.. كمال.. هل تسمعنى أيها البطل؟..

بعد اغتيال ضباطنا وجنودنا فى رفح أثناء تناول إفطار رمضان قبل عامين، أجريت اتصالات ببعض من تبقى على قيد الحياة من ضباط العبور، اتفقنا على اللقاء عند منصة العرض العسكرى كى نطالب بتوزيع السلاح علينا كى نقاتل من جديد، وهناك تجمع مجموعة من الشيوخ، التقيت بعضهم لأول مرة منذ سنوات طويلة، تبادلنا حديث الذكريات، والعبور، وطفق بعضنا يخطط بحماس لعمليات فى سيناء لاقتلاع جذور الإرهاب منها، ووقف أحد قدامى أبطال الصاعقة يشرح كيف يمكن الاقتراب من «جبل الحلال»، وكيف يمكن التسلل إلى مغاراته من الوديان المجاورة، وأهم النقاط الإشارية فى تلك المنطقة، كان يتحدث عن خريطة مرسومة فى أعماقنا، نحفظ كل شبر فيها، لأنها كانت مطبوعة فى أعماقنا خلال سنوات الانتظار قبل العبور..

ابتسمت وأنا أربت كتف بطل الصاعقة كى أذكره أنه عندما حضر إلى النادى قبل أسبوعين كان يصعد السلالم بصعوبة، سألته كيف سيتسلق «جبل الحلال»، وضحكنا، إلا أنه قال بعزم إنه كان فى رحلة الحج لا يتخيل أنه سوف يقدر على الإتيان بكل المناسك على قدميه، ولكن الله أعطاه المدد والقوة، وهو لا يشك أنه بمجرد أن نسرى إلى سيناء سوف يعطينا الله هذا المدد.. أكتب هذه الكلمات كى تبقى الذكرى حية تنتقل من جيل إلى جيل، ووفاء لذكرى رفاق السلاح.. أغلى الرجال.. ولا نامت أعين الجبناء.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة