رحلة "مديحة" آخر ريسة لجمهورية "الزار الصعيدى"

الأربعاء، 02 أكتوبر 2013 06:11 م
رحلة "مديحة" آخر ريسة لجمهورية "الزار الصعيدى" الحاجة مديحه
كتب حسن مجدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خطوات ثابتة تحمل بها مبخرة عتيقة تندمج مع الأضواء الهادئة وتفاصيل مظهرها الذى يعشش الزار فى جوانبه مثلما عاشت هى فى تاريخه يرسموا نصف حدود المشهد.. ينطلق صوتها المجنح بكلمات محددة "طلقنا البخور وصلوا على الرسول"، ومنه تبدأ "حضرة الزار"، لتكمل التفاصيل الناقصة أول ضربة دف تأخذ روحها إلى الأعلى وتتوالى من بعدها "دقات سحرية" تسحب أرواح الجميع فى دقائق إلى عالم موازٍ تديره على طريقتها، عالم لم يتبق ليحفظ أسراره ويصطحبنا إلى صفائه سوى هى، ومن بعدها لا أحد على الإطلاق.. عالم يتكون من آلاف "الأرتام" أو "الدقات"، ومثلهم من الأغنيات هى آخر من يحفظهم ولن يتبقى منه سوى حلقات قليلة مسجلة بأرقام فى حاسب إلى حين تتوقف هى، والأمل فى الحفاظ عليه تلخصه بكلمة واحدة "معدوم".

ثلاثة وستون عاماً فى الزار يكتبون تاريخ حياة الحاجة مديحة، آخر "ريسة" لجمهورية الزار الصعيدى مازالت تعمل من أصل "ريستين" على قيد الحياة، بملامح حفرتها حوارى أم الدنيا وبشرة خمرية تجلس وتترك دف حفرت أصابعها علاماتها فوق أخشابه قبل أن تجيب بهدوء على الأسئلة الأهم.. هو إيه الزار وجه منين؟، وإيه علاقته بالجن والأساطير اللى عاش فيها الزار؟: "الزار موسيقى أو رتم بدأ فى من الحبشة، وكل بلد بدأت تطوره على طريقتها، فى مصر بس عندنا 3 أنواع من الزار أولهم لمدح النبى واسمه "أبو الغيط"، والصعيدى اللى أنا ريسته، والسودانى وده لسه ليه 3 ريسات".

طيب والجن؟.. تبتسم وتقول: "ملناش أى علاقة بالجن، الزار هو حالة نفسية بتسحبك لعالم ثانى تعيش معاه وكل واحد يتحرك فيه براحته.. فيه اللى بيرقص وفيه اللى بيفقر، وبتخرج منه ماسح كل همومك"، يعنى الزار ملوش علاقة بالجن؟: "بص هو حاجة كده زى الدكتور النفسى اللى بيدخل جوه نفسك وتخرج من عنده ناسى كنت تعبان ليه، فى ناس ربطته بالجن لكن الحقيقة أن هو علاج نفسى".

ورقة أزيحت من نتيجة قديمة أعلنت عن عامها الحادى عشر، ومعها أزاحت الترنح بين الدراسة والزار، تتذكر التفاصيل بدقة وهى تحكى: "كنت فى خامسة ابتدائى ومدخلتش الامتحان بعدها، كنت بروح حضرات الزار مع أمى اللى ورثت الزار عن جدودها، بس وقتها خلاص كنت حبيته وأتعلقت بيه ومش شايفة قدامى حاجة ثانيه غير أنى أبقى فى الزار سيبت المدرسة خالص واتفرغت ليه".

وبقيتى؟.. تقول: "بقيت.. من كل الجدود والناس اللى راحت واللى فاضلة أنا الوحيدة اللى سافرت بالزار سويسرا، وفرسنا 6 مرات، وبلجيكا، وألمانيا، والسويد، وغيرهم كل يوم بلد بتطلبنا نعمل حفلات فى أرقى الأماكن لحد القصور والسفارات، وطورت فيه أرتام زى ما بيقولوا عليها بتوع المزيكا وإحنا بنسميها دقات.. وعملت فريق مزاهر مع الدكتور أحمد المغربى اللى أنقذ الزار واداله روح جديدة فى مركز مكان الثقافى، ودلوقتى شباب الطبقات الراقية بيجوا يحضروا الزار اللى كان محصور على الحضرات الخاصة.. أنا مكنش ينفع أبقى حاجة ثانية غير ريسة زار".

"الزار مش تعليم".. إجابة قاطعة بعد حديث عن قرب انتهاء الزار، يتابعها شرح الريسة: "الزار ده لازم تشربه وتعيش فيه، أنا حافظة آلاف الدقات وزيهم آلاف الأغانى من تاريخ طويل عيشته كله، مينفعش واحد يدخل ويقول أنا هتعلم زار، لازم يغوص جواه ويحبه لحد ما يبقى تراثه بالكامل جزء منه.. الحاجات اللى أنا حفظاها دلوقتى مقدرش أعدها حتى ومحدش غيرى حافظها".

من عبق ذكريات حوارى المحروسة ودقات الزار القديمة تحفظ الحاجة مديحة جزءاً من تاريخ يكتب للمرة الأولى: "كنا بناخد عن حضرة الزار70 قرش لدقة النهار ودى كنا نبدأها من 11 الضهر لحد آخر الليل، و150 قرش لدقة اليومين، ودية كانت دقة صبح بنبيت بعدها فى المكان ونصحى نكمل لحد المغرب".


كلمات لوالدتها مازالت ترن فى الأذن حتى الآن وقفت بين الريسة مديحة وبين تعليم الزار لأولادها، تذكر تفاصيلها بالكلمة: "أمى كانت تقولى الزار ده عامل زى سوسة العضم، يفضل ياكل فيكى لحد ما يسيبك خلصانة، كل اللى بيكبر بيتركن على الرف، الزار عفيجى بتشتغل بصوتك وبدراعك وبعنيك أول ما الصحة تروح خلاص ملكش تأمين ولا حاجة، وبعد ما شوفت أمى وتعبها لما كبرت ما قدرتش أعلم أولادى، وسيبتهم فى المدرسة، وفى نفس الوقت ما قدرتش أسيبه لأنى كنت أتعلقت بيه".

خدتى حقك؟.. تجيب الريسة الأخيرة: "هنا مش فاهمين الزار، فاكرينه دجل وشعوذة، بس هو رحلة فى الروح على أرتام معينة، كسبنا وربينا أولادنا الحمد لله، بس مخدناش حقنا وسنين قليلة هنقرا عن الزار فى الكتب وبس".






























مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

لك الله يا مصر

الزار

عدد الردود 0

بواسطة:

لك الله يا مصر

الزار

عدد الردود 0

بواسطة:

اسماعيل محمود

كله دجل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة