اتصالات خليجية مكثفة بواشنطن تكشف ترقب الخليج للكشف عما يدور خلف الأطلسى والخليج
بعد الاتصال التاريخى بين الرئيسين الأمريكى باراك أوباما والإيرانى حسن روحانى بات واضحا وجود رغبة لدى الطرفين فى تقارب يمهد الطريق للوصول إلى تسوية الملفات العالقة بينهما، على رأسها الملف النووى، خاصة بعد تغيير لغة الخطاب الإيرانية، التى أصبحت تتسم بالعقلانية والواقعية والابتعاد عن الشعارات.. كلها إشارات توحى برغبة طهران بعد صعود روحانى فى فتح صفحة جديدة من التعامل مع واشنطن، وتقليل التوتر والصراع بينها وبين الغرب وفتح صفحة جديدة فى سياستها الخارجية مع المنطقة بأكملها، حسبما أكد لى مسؤول الحملة الانتخابية لروحانى فى طهران محمد رضا نعمة زادة، والذى يشغل اليوم منصب وزير الصناعة.
كذلك على الجانب الآخر هناك رغبة لدى واشنطن فى اغتنام فرصة صعود الرئيس الإيرانى البرجماتى والمحسوب على التيار الإصلاحى، واستغلال ولايته لتحقيق تقدم فى الملف النووى الإيرانى، خاصة بعد تأييد ودعم المرشد الأعلى على خامنئى لسياسات روحانى وتشجيعه له بالتعامل بمبدأ «المرونة البطولية» التى تحقق ربحا للطرف الإيرانى والطرف المقابل، إذاً أصبح هناك احتمال تقارب إيرانى - أمريكى ويقف الطرفان على عتبة تطورات كبيرة، وكثر الحديث أكثر من أى وقت مضى عن شكل هذا التقارب وتأثيره على عموم المنطقة لاسيما حلفاء أمريكا فى الخليج.
لا شك أن حدوث تقارب أمريكى - إيرانى سيؤدى إلى تشكيل خارطة سياسية جديدة للمنطقة، فحسبما أكد السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الآسيوية فإن محاولات التقارب الإيرانى الأمريكى إذا نجحت ستنعكس إيجابيا على الشرق الأوسط والخليج، فإذا حدث ذلك صار بالتوازى مع تحسين العلاقات الإيرانية السعودية والخليجية.
أعقبت بوادر التقارب الذى تمثل فى اتصال هاتفى مدته 15 دقيقة لأول مرة بين رئيس أمريكى وإيرانى منذ نجاح الثورة الإسلامية 1979م تناول مباحثات فى ملفات عديدة، كذلك دعوة واشنطن طهران للمشاركة فى جنيف 2 لتسوية الأزمة السورية، والمحادثات النووية التى عقدت فى الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى وزراء الخارجية ولأول مرة يشارك فيها وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيرى بجوار نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف، مناسبات أعقبتها لقاءات واتصالات خليجية مكثفة بواشنطن، للكشف عما يدور خلف الأطلسى، والحديقة الخلفية للخليج، وكى تحصل دول الخليج أيضا على تطمينات من واشنطن وتحجز لها دورا فى الخريطة السياسية الجديدة التى لم تتضح ملامحها بعد، فقد يؤثر التقارب على علاقات الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، وحسبما أكد هريدى فإن الخليج ينظر نظرة الـ«مترقب»، لأن هناك مصالح استراتيجية للولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجى والتقارب بين واشنطن وطهران ستؤثر على علاقة الولايات المتحدة بالمجلس، خاصة أن هناك عدة عناصر تحكم هذا التقارب، أولها عنصر الاتفاق على استئناف العلاقات، ثانيا الملف النووى الإيرانى، فمن مصلحة دول الخليج أن تتم تسوية هذا الملف، ثالثا: المشاكل الإقليمية وتأثير هذا التقارب على مواقف واشنطن وطهران على قضايا المنطقة الشائكة كسوريا والعراق وفلسطين، ورابعا، موقف إيران من دعم الحركات الشيعية، ويؤكد حسين هريدى أن هذا التقارب لن يأتى على حساب علاقات الغرب وأمريكا ودول التعاون الخليجى.
أما مصر فترى أن التقارب سيأتى بنتائج إيجابية على أمننا القومى، فمن شأن التقارب بين طهران وواشنطن تقليل مستوى التوتر والصراع فى منطقة الخليج التى تكتظ بعمالة مصرية تربو على الـ6 ملايين، وهو ما أكده الرئيس عدلى منصور خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، وطالما أن التقارب سيقلل من الصراع ويلطف العلاقات الإيرانية الخليجية فهو يصب فى صالح أمننا القومى ومرحب به، ووفقا لوصف مساعد وزير الخارجية السابق للتقارب الإيرانى الخليجى القائم على احترام حسن الجوار والاستقلالية وسيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها والتعاون بين إيران ومجلس التعاون الخيلجى، بالتالى فإنه سيعود بالنفع على جميع شعوب المنطقة لأن التوتر لا يخدم أحدا، لكن ملامح هذا التقارب لم تتضح بعد.
فى النهاية لا يوجد فى عالم السياسة عداء مطلق أو تحالف مستمر، وقد أثبت التاريخ أن العداوة قد تنقلب إلى صداقة بل وتحالف فى بعض الأحيان، فوصول العلاقات الإيرانية الروسية إلى تحالف كان شبه مستحيل بعد انتصار الثورة الإسلامية، لتتحول العلاقات بينهما من صداقة وجوار وشراكة وتعاون إلى تحالف وتوقّع طهران اتفاقيات تعاون فى المجال النووى، وتصبح إيران الشريك الثالث لروسيا على صعيد التعاون العسكرى بعد الصين والهند... بالتأكيد لا تنسحب الأطر على القواعد الإقليمية والاستراتيجية التى تحكم العلاقات الإيرانية - الروسية ودعمت التحالف بين الدب الروسى والجمهورية الإسلامية على التقارب الإيرانى - الأمريكى المحتمل، لكن أصبح المجتمع الإيرانى اليوم يتساءل، هل ستعود علاقاتنا بواشنطن كما عادت علاقات موسكو بطهران رغم تاريخ الصراع الطويل بينهما؟ وهل سيتوقف شعار «الموت لأمريكا» ونعتها «بالشيطان الأكبر» داخل إيران؟... أرى أن الأيام المقبلة هى التى ستجيب عن هذه التساؤلات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة