محمد إبراهيم الدسوقى

طوارئ يناير الحزين

الثلاثاء، 29 يناير 2013 10:36 م


على المستوى الشخصى يشق على النفس أن ينقلب الاحتفال بمناسبة سعيدة مبهجيه إلى مأتم، وأن تتبدل الابتسامات والضحكات بالعويل والصراخ والنحيب، فما بالك بشعب تتحول بلاده إلى سرادق عزاء كبير، وتغرق فى الفوضى والعنف، ويزداد الانقسام والتفسخ وتباعد المسافات بين المصريين، الذين يتحدث بعضهم بلا خجل عن الانفصال عن الوطن الأم. هذا وصف مختصر لما ابتلينا به منذ نهاية الأسبوع الماضى، حينما حلت الذكرى الثانية للثورة، وبدا وكأننا على موعد مع ألغام وقنابل تنتظر شرارة صغيرة للانفجار فى وجوهنا، وما سفك من دماء ذكية فى القاهرة وبورسعيد والسويس والإسماعيلية وغيرها من المدن معلقة فى رقابنا جميعا، ولا يحسبن أحد أنه معصوم من المسئولية، بمَنْ فيهم الذين يوزعون الاتهامات فى كل الاتجاهات.

وما يزيدك حزنًا وكمدًا أن معالجة الأحداث المفجعة بخلاف أنها كانت بطيئة، فإنها كانت قاصرة وفاقدة للرؤية الثاقبة وإدراك حقيقة الوضع على الأرض، وفضل الرئيس محمد مرسى ومن معه اللجوء للحل الأمنى كأساس لمواجهة الانفلات والميليشيات، التى خرجت من جحور الظلام بدعوى حماية الثورة والمتظاهرين السلميين مع أنهم يفطنون تماما إلى أنهم يعبدون الطريق لدولة الميليشيات التى سبقتنا إليها فى ظروف وأحوال مغايرة لبنان والصومال وغيرهما. نعم الطوارئ كانت ضرورة لوقف آلة العنف الطائشة فى بور سعيد والسويس، لكنها وحدها ستكون عديمة الجدوى والمفعول، وستعمق من الشروخ بين مناطق مصر المضطربة.

فقد فات على مرسى أن نجاح الحل الأمنى مشروط بوجود غطاء سياسى يحميه ويحفزه على التأثير بفاعلية، ستقول: إنه دعا إلى حوار وطنى مع المعارضين والمؤيدين له، غير أن الدعوة بذاتها لا توفر الغطاء السياسى المنشود، فقد جربنا فى مواقف وأزمات سابقة هذه الطريقة وتأكدنا من خلالها أن الحوار لا يسفر عن شىء، لافتقاده الشروط اللازمة لخروجه بثماء يانعة.

فالرئيس مرسى كان أمامه فرصة طيبة فى كلمته المتأخرة للأمة مساء الأحد الماضى بمنح غطاء سياسى يمكن القوات المسلحة ومعها الشرطة من أداء واجبهما بدقة وحرفية متناهية وليس بأيدى مرتشعة مهزوزة، كيف؟

كان عليه البدء باعتراف صريح بتحمله قدرًا وفيرًا من تردى الأوضاع فى الأسابيع المنصرمة، جراء تخبط وعدم وضوح سياساته وقراراته، وأن لديه الشجاعة الكافية لمحاسبته على أخطائه.

ثانيا: مصارحتنا بأن أداء الحكومة كان ضعيفًا وبلا تأثير، وأنه لابد من تشكيل حكومة وحدة وطنية تنتشلنا من الهاوية التى ننزلق ناحيتها بسرعة فائقة، وأن معايير الاختيار ستكون الكفاءة والقدرة على العطاء وليس الانتماء الحزبى.

ثالثا: إن جهاز الشرطة يعانى من فيروس ضعف يتسبب فى انهياره سريعًا، مثلما حدث فى السويس، وأنه يلزمه إعادة تأهيل وتدريب يمكنه من الصمود والقيام بواجباته وفقا للقانون ومعيار حقوق الإنسان.

رابعا: إن سكان مدن القناة، خاصة بور سعيد يشعرون بغصة شديدة تجاه القاهرة، وأن ذلك يظهر فيما يقومون به من أعمال عنف تتسم بالتطرف والحدة، وأن هناك حاجة ملحة لبحث هذا الموضوع من كافة جوانبه لإزالة أسباب الاحتقان والكراهية المتأججة فى النفوس.

خامسا: إن الجميع سواء أمام القانون المفترض أن تخضع له أعناق الكل، حينما يصدر أحكامه، وأنه لامناص من اتصاف الجماعات السياسية والدينية بالشفافية والوضوح، وأنه يتحتم على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية والليبرالية توضيح مصادر تمويلها والبعد عن العمل السرى.

سادسا: تجريم تكوين الميليشيات، وهى ظاهرة بدأت تتنامى تحت مسميات وأشكال متنوعة بعضها رياضى والأخر دينى والثالث سياسى، وأنه لا مجال للمحاباة والتغاضى عن طرف أو أطراف تدعمنى كرئيس.

سابعا: سن عقوبات رادعة قاسية لا رحمة فيها ضد مَنْ يستخدم السلاح ويبيعه، لأن كميات الأسلحة المتداولة مرعبة ومن الكثرة بحيث تصبح نواة لشن حرب أهلية، خصوصا وأن أكثرية مواطنينا يفضلون مناخ الفوضى على احترام القانون وتطبيقه.

ثامنا: إن الرئيس على استعداد كامل للدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إذا فشلت جولات الحوار مع المعارضين للنظام إعلاء لمصلحة الوطن وسلامته. تلك بعض جوانب من غطاء سياسى كنا نتمنى وجوده لكى تتمكن الأجهزة الأمنية والجيش من العمل بأقدام ثابتة ستهيئ المجال للقضاء على الانفلات والداعمين والمحفزين له، ومن ثم تحقيق أهداف الثورة المؤجلة، شريطة أن يتصف الفرقاء على الساحة بالتجرد.


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة