أعلى صفوف الكتب المكدسة امتدت على حبل طويل مخترقة لافتات مخيم "الأزبكية" داخل معرض الكتاب، بصعوبة يمكنك التقاط التاريخ المدون بحروف صغيرة محتها السنوات التى تركت أثرها واضحاً على الصحف المعلقة بعناية لتسرد تواريخ متعاقبة يعود أقدمها إلى خمسينات القرن الماضى، داخل الغلاف البلاستيكى، تآكلت أطرافها واستحال لونها إلى الأصفر الداكن الذى غلفها برائحة تراب لم يعد من السهل نفضه،
باللونين الأحمر والأسود تستطيع تمييز المانشيتات الضخمة التى أعلنت بعضها يوماً عن تفاصيل انسحاب العدو من أرض سيناء، ووفاة الزعيم، وتنحى الملك فاروق، واغتيال السادات، وغيرها من المانشيتات الصحفية الخالدة التى لم ينس "صابر" الاحتفاظ وسطها ببقعة مميزة أبقاها خاوية لتعليق مانشيتات 18 يوماً تصدر عناوينها عبارة الشعب "يريد إسقاط النظام" وندر تعليقها "لما يبقى النظام يسقط!".
"صابر صادق" هو صاحب أكبر مكتبة لبيع الصحف القديمة بسور الأزبكية الذى انتقل إلى أروقة معرض الكتاب حاملاً طابعه الخاص، وزبائنه الذين انشغلوا فى التقليب بين الكتب، لتستوقفهم تواريخ "صابر" الجاذبة للأعين، بسرعة شديدة يستطيع سرد أدق التفاصيل التاريخية والقضايا التى تناولتها الصفحات الأولى عاماً بعد الأخر، وسط مخطوطاته الثمينة تجد أعداداً نادرة تعلن عن اتفاقيات أبرمت وحروب وصراعات أنقلب لها التاريخ رأساً على عقب، بعضها ما باعه "صابر" لكبار الشخصيات العامة الباحثة عن تفاصيل خاصة بهم فى الجرائد القديمة، والبعض الأخر ما باعه لهواة جمع كل ما هو قديم.
"شغلتى أباً عن جداً عن جداً، عدى علينا تاريخ مصر كله مكتوب فى كام سطر فى مانشيتات الجرايد" هكذا بدأ صابر حديثه لليوم السابع من بين أكوام كتبه وجرائده القديمة ومانشيتات الأفلام التاريخية التى علقها بين الركن والأخر".
ويقول "صابر": "القيم دايماً ليه سوقه، ودايماً تلاقى الزبون اللى جاى يدور على كتاب قديم أو جرنان قديم، أو عجبه عنوان فى جرنال، أو خبر فاته من 20 سنة وعايز يقراه بالتفصيل".
العدد الأول لجريدة الأهرام بتاريخ 1876 هو أكثر أعداد "صابر" ندرة، ويقول "العدد ده ما ببيعهوش بالساهل، دا من أهم علامات الصحافة فى مصر" بثقافة واضحة لا تخلو من متابعة لأهم المانشيتات الصحفية على مدار التاريخ تحدث "صابر" عن أبرز العناوين التى نشرتها الصحف المصرية منذ نشأتها مثل"تنحى الملك فاروق، واغتيال السادات، ووفاة الزعيم، وتفاصيل حرب أكتوبر وغيرها من المانشيات.
أمام عن تاريخ ثورة 25 يناير الذى ترك له "صابر" مكاناً يقول: "لسه ثورة 25 يناير مبقتش ذكرى، ولسه قدامها 15 سنة على الأقل عشان نحكى عليها".
"أنا بعت عدد 25 يناير قبل كده بـ 100 جنيه، وعندى منه تانى بس مش هعلقه دلوقتى، غير لما الثورة تنجح وتخلص ونحكى عليها! ألتقط إحدى الأعداد ليضعها داخل غلافها البلاستيكى الذى حرص على استخدامه مع الأنواع النادرة، وأكمل" فى صفحة ب5 وصفحة ب10، وفى صفحات يوصل تمنعا ل 50 أو 60 جنيه، عشان قيمتها".
مكتبة "صابر صادق" التى لا تتعدى مساحتها عدة أمتار قصيرة داخل سور الأزبكية، هى ملتقى الفنانين المترددين على السور بحثاً عن صور شبابهم على أفيشات أفلام أحتفظ بها "صابر" بعيداً عن الانقراض، داخل رأسه استعان بمساحة إضافية خزن فيها أهم التواريخ التى يحفظها، وربما يراجعها أحياناً عندما يختلط عليه الأمر فيما يحدث حالياً، بمأمن عن الضياع احتفظ لنفسه بمساحة تاريخية تحكى التاريخ بتفاصيل لا يمكن تزويرها، لا يمكنك مناقشته فيما حدث فهو يحفظه عن ظهر قلب، ومن الصعب إقناعه بما سيحدث فتوقعاته التاريخية مدعمة بالوثائق التى لا تقبل التزييف.
على قديمه..
مانشيات "صابر" تحكى تاريخ مصر على ورق "الجرايد" من معرض الكتاب
الجمعة، 25 يناير 2013 11:13 ص
جانب اللافتات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة