د. رضا عبد السلام

ما لا يعرفه الكثيرون عن أمريكا!!

الأحد، 20 يناير 2013 05:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لطالما وصفت لنا الآلة الإعلامية الأمريكية وأفلام هوليود البنى آدم الأمريكى على أنه سوبر مان، وأنه يملك ما لا يملكه باقى البشر من مهارات جبارة وقدرات خارقة وعقلية متفوقة... هكذا خدع الأمريكان العالم على مدى أكثر من خمسين عاماً.

أكتب هذا المقال بمناسبة تلويح الحكومة الأمريكية من حين لآخر بقطع المعونة عن مصر!! وتهديدات عباقرتهم فى كل محفل بأنه إذا لم تسر مصر على الدرب الذى تحدده صاحبة العصمة (أمريكا)، فإن شعب مصر مصيره الجوع، وأن مساعدات ولية النعم (أمريكا) ستتوقف!!

ولكن الحقائق الدامغة التى ربما لا يدركها الكثيرون هى أن الولايات المتحدة هى أكبر مدين فى العالم!! وهى أكبر خولى أنفار فى العالم، حيث عكفت على مدى عقود على استنزاف العقول والأدمغة من الدول الخادمة لضمان تبعيتها. نعم... وسأثبت لك عزيزى القارئ بالأرقام صدق ما أدعيه، ليس كرهاً فى الولايات المتحدة أو فى الشعب الأمريكى، ولكن لوضع كل شىء فى نصابه الصحيح!!

الولايات المتحدة هى أكبر مدين فى العالم... نعم هى كذلك، فالدين الأمريكى العام والخاص يتعدى الخمسين تريليون دولار (أى خمسين ألف مليار دولار). كما أن الدين الأمريكى الخارجى، أى مديونيتها للعالم تعدت الـ 16 تريليون دولار (16 ألف مليار دولار) فى يناير 2013م، أى أن مديونية الولايات المتحدة (حكومة وشركات) للعالم تزيد على 103% من الناتج المحلى الأمريكى، ونحن فى أم الدنيا مزنوقين فى 5 مليارات!!

ممكن للبعض أن يسأل وما الذى يجبر دول العالم لأن تكون خادمة للولايات المتحدة؟! دولة كالصين هى أكبر دائن للولايات المتحدة حالياً باستثماراتها فى أذون الخزانة الأمريكية التى قاربت على (2) تريليون دولار، إضافة إلى استثمارات أخرى بالمليارات؟! ما الذى يجبرها وبجبر باقى الدول على ذلك؟! دول الخليج العربى تستثمر أكثر من 60% من فوائضها التى تتعدى الـ (3) تريليون دولار فى الولايات المتحدة؟ ما الذى يجبرها هى الأخرى على ذلك؟!

لماذا تحولت أغلب دول العالم إلى مجرد خادم للولايات المتحدة، تدور فى فلكها وتشرب أزماتها وكوارثها؟!

الإجابة فى أمرين قاعدة الدولار Dollar Standard وسطوتها العسكرية!! إيه حكاية قاعدة الدولار؟! ببساطة تمكنت الولايات المتحدة منذ عام 1945 أى بعد الحرب العالمية الثانية من الصعود كقوة عظمى محل بريطانيا، وحل الدولار بالتبعية محل الإسترلينى كعملة دولية من خلال ما سمى (اتفاقات برتون وودز)، حيث تم تنصيب الدولار كعملة دولية لتقييم وتسوية المبادلات العالمية. أى أنه بمقدور أى دولة حمل الدولار وتسوية مبادلاتها مع باقى الدول. كانت الولايات المتحدة فى الفترة من 1945 وحتى 1971 قد ربطت الدولار بجرامات معينة من الذهب، أى أن بمقدور أى حامل للدولار، وفى أى مكان فى العالم تحويله إلى ذهب، وبالتالى ضمنت أمريكا تداوله وتقبله كعملة دولية.

ولكن، بعد أن لاحظت الولايات المتحدة استنزاف مخزونها من الذهب (حوالى 8 أطنان ذهب خرجت من أمريكا) قرر الرئيس نيكسون، وبقرار منفرد عام 1971 إلغاء نظام بريتون وودز فيما يخص تحويل الدولار إلى ذهب. أى أن قوة الدولار كعملة دولية لم تعد ترتكن على الذهب، وإنما من قوة الولايات المتحدة كقوة عظمى، ولكن حتى تضمن الولايات المتحدة بقاء الدولار وعدم اهتزاز عرشه ضمنت ولاء دول منظمة أوبك (وهى الدول المصدرة للنفط) بحيث تلتزم بتسعير وتداول النفط فى الأسواق العالمية بالدولار. وطالما أن أهم سلعة فى العالم (وهى النفط) يتم تداولها وتسعيرها بالدولار، فإن الدولار سيبقى عملة العالم الأولى!!

قد تسأل عزيزى القارئ، ما علاقة هذا الكلام كله بالدين الأمريكى وأن أمريكا هى أكبر مدين فى العالم؟! ببساطة ترتب على تخلى الولايات المتحدة عن ربط الدولار بالذهب، وبعد أن ضمنت الولايات المتحدة سيادة الدولار كعملة عالمية، توسعت بشكل رهيب (وأقصد هنا كلمة رهيب) فى عرض الدولار. فبعد أن كان نمو عرض الدولار خلال الفترة من 1945 وحتى 1971 حوالى 55%، بلغ معدل نمو عرضه خلال الفترة من 1971 وحتى 2008م حوالى 3000% (نعم ثلاثة آلاف فى المائة)!!!!!!!

الدولار هو الطوق الذى خنقت به الولايات المتحدة باقى دول العالم وحولتهم إلى خدم وجوارى. وسأعطيك عزيزى القارئ مثالاً لتعمم فكرته. فالسيارة التيوتا تصنع فى اليابان، ويستوردها المواطن الأمريكى (فى مقابل طباعة الدولار وتصديره لليابان)، وبالتالى يحصل السوبر مان الأمريكى على السيارة الفارهة فى مقابل الدولار، وبعد أيام تعلن الولايات المتحدة عن طرح أذون خزانة للبيع (دين)، فتتقدم اليابان بشراء تلك الأذون. أى أن المواطن الأمريكى حصل على السيارة واستعاد الدولارات فى شكل أذون خزانة!!!! ويا دار ما دخلك شر!!!

قد يسأل البعض الآخر وما الذى يجبر دولة مثل اليابان أو الصين على أن تسارع بإقراض الولايات المتحدة أو أن تستثمر فى أذون الخزانة الأمريكية؟!! دعوها تغرق لتُريح وتستريح؟!!

للأسف هذا لا يمكن أن يحدث الآن. بدليل أنه عندما وقعت أزمة 2008 فى الولايات المتحدة، وانهار الاقتصاد الأمريكى، ماذا كان علينا أن نتوقع بالنسبة للعملة الأمريكية؟! كان يفترض أن يترتب على انهيار الاقتصاد انهيار العملة؟! أليس كذلك؟!!! وهذا لم يحدث بالنسبة للعملة الأمريكية، بل على العكس، خلال أزمة الاقتصاد الأمريكى استقر سعر الدولار، بل ارتفع فى الأسواق العالمية!! ما السبب إذاً؟!!

إنها قاعدة الدولار التى تحدثنا عنها!! فالدول الخادمة كالصين وباقى دول العالم تربط عملاتهما بسعر ثابت أمام الدولار، لكى تضمن سعراً منخفضاً لعملاتها أمام الدولار حتى تبقى صادراتها جذابة فى الأسواق العالمية. بمعنى أن الصين التى تنتج مصانعها من أجل التصدير، تربط اليوان الصينى بسعر منخفض أمام الدولار، حتى تتمكن من جذب المستوردين لمنتجاتها. وبالتالى من مصلحة دولة كالصين أن يكون الدولار مرتفعا أمام عملتها. لذا، لك أن تتخيل انعكاسات انهيار الدولار على صادرات الدول الخادمة؟!! وبالتالى عندما وقعت الأزمة فى الولايات المتحدة، كانت الولايات المتحدة جالسة تضع قدم على قدم، وهى مطمئنة بأن الخدام سيتحركون مكرهين لنجدتها!!

نعم... هذا هو ما حدث، عندما وقعت أزمة أمريكا 2008 مثلا، هرولت الصين وباقى الخدام لتقديم القروض والاستثمار فى أذون الخزانة الأمريكية، أى إقراض الولايات المتحدة، وبالتالى ضمان استقرار الولايات المتحدة، واستقرار عملتها لتواصل تلك الدول رحلتها التصديرية ومن ثم استقرار مصانعها...الخ.

هكذا، جعلت الولايات المتحدة بقوتها العسكرية من عملتها عملة عالمية، وجعلت الاقتراب منها بمثابة الاقتراب من الخط الأحمر، ولنا فى صدام وإيران عبرة. هل نسينا؟! لأن فى بقاء الدولار عملة عالمية بقاء للولايات المتحدة قوة عظمى، حتى ولو تم ذلك على جماجم الآخرين.

هذه هى الحقيقة العلمية المؤسفة للواقع الاقتصادى الأمريكى فى علاقته بالاقتصاد العالمى. فالولايات المتحدة التى تلوح بقطع المساعدات (التى هى فى الأصل أموالنا وأموال باقى الدول النامية) هى أكبر مدين، كما أن المواطن الأمريكى هو أكبر مواطن مدين فى العالم، إذ إن معدل الادخار الفردى صفر!! يكفى المواطن الأمريكى أن يرتدى بنطال جينز صنع فى الصين وفى جيبه حافظة شيك، صنعت فى الصين، وبها كروت ائتمان عديدة (مديونية) لسحب أموال آتية من الصين ومن باقى الخدام!!

وفى الختام يمكننى القول بأن أزمة 2008م التى ضربت الولايات المتحدة شكلت نقطة فارقة فى تاريخ الاقتصاد والسياسة العالمية، فقد تغيرت موازين القوى، وتحقق ما سبق وأن تنبأت به الدراسات الاقتصادية بشأن الصين وآسيا، باعتبارها القوى التى ستقود العالم فى القرن الحادى والعشرين. فأرجو أن تصل الرسالة إلى كل من يهمه الأمر.

• أستاذ بحقوق المنصورة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة