
الأنظمة كلها مبتختلفش يا أخ/
مد المواطن قفاه منعته..
آه أو أخ/
حقيقى مش أنظمة دى مجرد فخ/
لو المواطن جمل من حملكم كان نخ/
وكل حاكم لئيم جواه غير بره..
هذه الكلمات قالها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، فى قصيدة "بغداد" وجهها إلى الابن بوش قبيل احتلاله للعراق، لكنها فى جوهرها هى حقيقة كل حاكم وباطن كل نظام، وما يدور على الساحة المصرية الآن يدفعك لترديدها وحفظها والتمثل بها.. كما يدفعك لأشياء كثيرة متناقضة، فيكاد يدفعك وأنت فى موقع المواطن البسيط كى تفهم ما فعله الخوارج فى "الفتنة الكبرى" عندما وجودوا أن القائمين على المصلحة العامة (حكومة ومعارضة) وصلوا لطريق مسدود، وأن مصالحهم الشخصية أعمت رؤيتهم وجعلتهم لا يرون حلولا سوى البتر، وكأن الذى بيننا عداء استيطانيا لا يقوم حله إلا بفناء أحد الطرفين، ففكر الخوارج بطريقة مختلفة - لا نقرها- لكننا نفهمها.
كان علينا أن نتوقع عندما أصبح الإخوان المسلمون هم (النظام الجديد) أن هذا النظام يمتلك رؤية مختلفة، وأنه يمتلك فسادا خاصا به وأنه يمتلك أعداء مختلفين ورفقاء (إخوة) جدد أكثر استقرارا، يملكون أفكارا ربما غير صالحة لهذه الأرض.. وأى نظام لا بد له أن يفعل هذا (فالأنظمة مبتختلفش يا أخ).. الجديد فى حالة الإخوان المسلمين أنهم قلبوا آية الاستبداد التى استقر عليها التاريخ والتى دونتها الكتب (التمكين ثم الاستبداد).. وفاجئونا بـ"الاستبداد قبل التمكين".. وهنا كانت الطامة الكبرى.
ومن قبل كتب صلاح عبد الصبور فى ديوانه الأول "الناس فى بلادى" قصيدة "عودة ذى الوجه الكئيب" يقول فيها: "من أين جاء/ ويقول سادتنا الأماجد حين يزوون الجبين/ شأن الثقات العارفين/ من السماء.."
قال المفسرون، عن هذه القصيدة، إن عبد الصبور يقصد جمال عبد الناصر على الرغم من أن عبد الصبور كان قد كتب بجانب العنوان (إلى الاستعمار وأعوان الاستعمار) لكن القراءة احتملت أن يكون المقصود هو (ناصر).. لأنه رغم دوره وأهميته كان يحمل استبدادا أحس به الشاعر.. وفى الآونة الآخيرة فى ظل النظام العسكرى "المجلس العسكرى" الذى كان يحكم مصر بعد ثورة الـ25 من يناير، كتب بعض الإسلاميين قراءة لهذه القصيدة وجعلها تنعكس على الوضع العسكرى الراهن؛ حيث الاستبداد والعمل لصالح المصلحة الخاصة، وفى زمن الإخوان يمكن لنا قراءتها بما يليق بهذه المرحلة التى تأكلنا الآن، حيث اختلاط مفهوم الوطن بمفهوم الجماعة، وحتى إن وجد "الوطن" فإنه يتأخر فى ترتيب الأولويات لما بعد المصالح الخاصة.
فى القصيدة قدم صلاح عبد الصبور صورة شكلية لذى الوجه الكئيب "القهر"، فقدَّمه فى شكل أسطورى للقبح، له سمات متناقضة تجمع بين الدمامة والاستعلاء، فله نظرة بكماء ومشية تياهة، وبين أن له رجاله المبتهجين بوجوده، ووضح طرق قبول وجوده والرضوخ لتأويلات وتفسيرات تبين سبب عودته "ويظل أهل الفضل فينا حائرين/ ويتمتمون على مسابحهم وهم يتلاغطون/ هذا ابتلاء الله هذا من تدابير القضاء/ من أين جاء؟"
من ناحية أخرى نقول إن تشابه الأنظمة ثيمة لعبت عليها الأدبيات الكبرى فى التاريخ الإنسانى، فرواية "مزرعة الحيوانات" تأليف جورج أورويل والتى نشرت فى إنجلترا 1945، وتملك الرواية رؤية مكتملة لهذا الأمر وهى رواية تحتاج إلى وقفة متأنية لمعرفة الذى انتهت إليه الحيوانات الثائرة، ولمعرفة النموذج الصارخ فى الذهن الحاكم حتى فى الإطار الشكلى لا أقول الانتقامى أو البرجماتى فقط، فالمزرعة التى كافح حيواناتها ودفعت من دمها لتتحرر من السيطرة، تسقط مرة أخرى وتنتهى تحت القمع نفسه بشكل جديد.
وعلى الكتابات الثقافية البحث عن طرق جديدة لإيجاد نخبة جديدة تعيد تحديد المفاهيم التى تم تشويهها مثل "الوطن – المواطن- العدو" ولتكن هذه النخبة مختلفة تنطلق من ثقافة ثورية حاضرة ماثلة بمقتضيات وشروط ثورة يناير.