أودعت محكمة الجنايات برئاسة المستشار مجدى حسين عبد الخالق، وعضوية المستشارين مدنى دياب مهران ومحمد على عبد الرحيم، وأمانه سر محمد عبد العزيز، حيثيات حكمها ببراءة توفيق عكاشة من تهمة إهانة الرئيس.
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إنها محصت الدعوى عن بصر وبصيرة وفطنت إلى أدلة الثبوت التى قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفى وداخلتها الريبة والشك فى صحة عناصر الإثبات، وأية ذلك أنه بالنسبة للاتهام بالتحريض علانية على ارتكاب جريمة القتل بإهدار دم رئيس الجمهورية، فإن الثابت من مطالعة الأوراق والأسطوانات المدمجة، أن عبارة إهدار الدم جاءت فى سياق حديث بعبارة عامة غير موجهة إلى رئيس الجمهورية أو غيره، وكان من المتعين قانونا أن تكون تلك العبارة صريحة ومحددة، وليست غامضة وتوافر صلة السببية المباشرة بين التحريض على ارتكاب الجريمة والجريمة ذاتها، وهو ما لم يتوافر فى الاتهام المسند للمتهم بشأنها، وهو ما نفته أيضا تحريات قطاع الأمن الوطنى.
أما بالنسبة للاتهام بإهانة رئيس الجمهورية بأن بث المتهم عبر قناته الفضائية ببرنامج "مصر اليوم" العبارات المبينة بوصف الاتهام، فإنه لما كان من المقرر وفقا لنص المادة 45 من الدستور الحالى التى تنص على "حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير"، وحيث إنه من المقرر أن النقد المباح هو إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر، أو العمل بغية التشهير به وأن حرية الرأى والتعبير قيمة عليا فى حياة الناس، وهى من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبى والفنى فى كل الاتجاهات الممكنة، فضلا عن أنها تعطى الأمل والثقة للناس فى قيام نظام اجتماعى وسياسى سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبى، وتعطى حرية التعبير للإنسان القدرة على المشاركة بإخلاص وفاعلية فى الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة فى دفع التقدم الاجتماعى إلى الأمام، مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعى وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التى تجد ضالتها فى عهود الظلام، وكبت الحريات كما وأن حرية التعبير التى كفلها الدستور هى القاعدة فى كل تنظيم ديموقراطى فلا يقوم إلا بها ولا ينهض مستويا إلا عليها، وما ألحق فى الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة الحريصين على متابعة جوانبها وتقرير موقفها من سلبياتها إلا فرع من حرية التعبير.
كما أنه من المقرر أيضا أن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوماً رصد كل عبارة احتواها مطبوع أو مسموع أو مرأى، وتقييمها منفصلة عن سياقها بمقاييس صارمة وذلك لأن ما قد يراه الإنسان صوابا فى جزئية بذاتها قد يكون هو خطأ بعينه عند آخرين ولا شبهة فى أن المدافعين عن أرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الأراء مستوجبا إعاقة، كما ينبغى أن يعتبر نقد رئيس الجمهورية فى إطار حرية التعبير شريطة ألا يتم استخدام عبارات مهينة حقا لشخصه، لا سيما وأن كثيرا ممن ينتقدون عمل الرئيس يطالبون الإصلاح وهدفهم الصالح العام، ومن هنا يعتبر ما يكتب أو يصرح به هؤلاء فى هذا الإطار ليس عيبا أو تطاولا أو إهانة.
كما أن للرئيس أن يتسع صدره للجميع، فلابد من قوى معارضة له ولنظامه حتى يشعر الجميع، وأن هناك مراقبة فعالة حتى يتحد أبناء الوطن بكافة طوائفه ومنظماته على قلب رجل واحد لإصلاح الوطن، ولما كان ما تقدم وكان القانون لم يحدد العبارات التى تعتبر إهانة فى حق رئيس الدولة بل ترك ذلك لقاضى الموضوع الذى عليه أن يحيك بالظرف الذى تطلق فيه الألفاظ موضوع الاتهام مع الوضع فى اعتبار التقدير اللازم لشخص رئيس الجمهوية باعتباره رأس الدولة والواجب احترامه دون التمسك بحرفية تلك العبارات لاختلاف الدلالة باختلاف الزمان والمكان، وعليه فإن الثابت للمحكمة وما ثبت فى وجدانها من أوراق الدعوى والأسطوانات المدمجة أن المتهم كان يعتقد أن العبارات التى عبر بها عن رأيه كانت فى نطاق النقد المباح وحرية التعبير والمصلحة العامة، ولم تتجه إرادته إلى النتيجة التى تتمثل فى سعيه إلى إهانة شخص رئيس الجمهورية، لا سيما وأن المتهم قد أنكر تلك الاتهامات بجلسات المحاكمة، وإذا كان هناك من يرى وجود ثمة تجاوز فإنه ينال من هذه الرؤية أن الدولة فى أعقاب ثورة 25 يناير، وما ترتب عليها من إعلاء بحرية الرأى والتعبير قد سادتها بعض من السيولة لدى كافة أطياف المجتمع نتيجة للحالة الثرية التى كانت تمر بها البلاد.
وأضافت المحكمة أنها لم تطمئن لأدلة الثبوت على النحو السالف ذكره لكونها جائت قاصرة على حد الكفاية لإقناع المحكمة لإدانة المتهم، ومن ثم فإنها تعتد بإنكاره وما أبداه من دفاع وكانت الأوراق خلت من ثمة دليل آخر يمكن التعويل عليه فى إدانة المتهم وقد خالج وجدانها الشك لعدم كفاية الأدلة مما يتعين معه براءة المتهم عملا بالمادة 304 /1 من قانون الإجراءات الجنائية.
فى حيثيات براءة عكاشة بتهمة إهانة الرئيس: الدعوى خلت من أية أدلة تفيد نية التحريض.. وأن ما وقع تم فى إطار النقد المباح بهدف الإصلاح وبعض التجاوز مسموح به.. وثورة 25 يناير أعلت حرية الرأى والتعبير
الخميس، 10 يناير 2013 03:00 م