أحمد رمزى.. الطفل الذى صفق لنزول المطر.. عاش ومات وحيداً

الأحد، 30 سبتمبر 2012 11:06 ص
أحمد رمزى.. الطفل الذى صفق لنزول المطر.. عاش ومات وحيداً الدنجوان أحمد رمزى
علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أذكر تفاصيل ذلك اليوم كأنها كانت بالأمس، فى عام 2009 عندما كنت أقدم تجربتى الأولى فى مجال التقديم التليفزيونى بقناة «أون تى فى» برنامج بعنوان «ولاد البلد» حيث أخبرنى الزميل شريف نادى بأنه نجح فى الوصول إلى الفنان أحمد رمزى، والذى كان مختفيا حينها عن الأضواء تماما، وكان يصعب الوصول إليه، وتمكن شريف بحرفية من الاتفاق مع رمزى وإقناعه بضرورة الظهور عن طريق واحد من أصدقاء عمره، وهو الإعلامى «وجدى الحكيم»، وقتها لم أصدق أذنى حقاً، سألتقى رمزى فتى الشاشة وواحدا من أوسم الرجال الذين عرفتهم السينما المصرى، وأسجل معه حلقة تليفزيونية. وكانت تلك الحلقة من أسرع الحلقات التى تم الترتيب لها وإنجاز تفاصيلها، وقتها كنا فى فصل الشتاء، وأصر النجم الكبير على أن نذهب إليه فى الساحل الشمالى، حيث يعيش هناك بقرية «هاسيندا»، مؤكداً أنه بات لا يستطيع الاقتراب من القاهرة، إلا إذا كان مضطراً، وأذكر وقتها أننا طوال الطريق أخذ فريق العمل يتساءل عن كيف سيكون استقباله لنا؟ هل سيتحمل أن نجلس معه ساعات طويلة نرهقه فيها؟. وللأسف لم يكن أحد منا يملك إجابات محددة وظلت المسألة ضبابية.. بالتأكيد أنه لن يتحملنا كثيراً.. فالرجل الذى اختار العزلة بكامل إرادته من الصعب أن يجد نفسه محاطاً بكل هذا الصخب ويتقبله بسهولة، وبدأت صور النجم الكبير تتداخل فى مخيلتى، لقطات من شبابه فى أفلام مثل ابن حميدو، وصراع فى المينا، الوسادة الخالية، أيامنا الحلوة، ثرثرة فوق النيل، ووصولاً إلى آخر ظهور له بفيلم «الوردة الحمرا» مع المخرجة إيناس الدغيدى، وظلت تلك هى الصورة الراسخة فى ذهنى، لأنها تحمل علامات السن وسنوات الخبرة التى عاشها فتى الشاشة، أو جيمس دين السينما المصرية كما أطلق عليه البعض فور ظهوره - حيث كان رمزى هو المعادل لجيمس دين بطريقة ملبسه وتسريحة شعره وفتحة أزرار قميصه - وعندما اقتربنا من الشاليه الذى يقطنه رمزى، قررت وبشكل حاسم أن أنفض من ذهنى صورته، وهو متقدم فى السن، وأستدعى لقطات لم ولن أنساها فى حواره مع الإعلامية «ليلى رستم» وهو اللقاء المميز والذى كان يحمل جرأة من ليلى وخجلا لم أتوقعه من رمزى فى إجاباته حتى فيما يتعلق بقميصه المفتوح والخرزة الزرقا التى يرتديها وعلاقته بزوجته، وأخذت أردد على نفسى: تلك هى الصورة التى سأظل أتذكرها قبل أن أقابله وأثناء إجرائى الحوار معه. جلسنا للحظات فى حديقة الشاليه فى انتظار «فتى الشاشة».. وكل يحمل توقعه الخاص لشكله ولكيف ستكون المقابلة، وفوجئنا به يهل علينا بنفس الابتسامة الساحرة والتى كانت تميز قسمات وجه، وبنفس العيون الشقية والجذابة، وكأن الزمن رسم علاماته على وجهه وجسده إلا أنه أبدا لم يستطع أن يأخذ شيئاً من تلك النظرة الآسرة والابتسامة الساحرة مرحباً بقدومنا وكأنه يعرفنا فردا فردا، أذكر وقتها أننا تبادلنا النظرات ولم نصدق كل هذه الحيوية والنشاط من شخص فى نهاية السبعينيات من العمر.

وكسر رمزى كل الحواجز بتلقائيته، وحيويته، يومها أصر على أن يكون التصوير فى حديقة الشاليه، وعلى البحر، رافضاً أن يتم التصوير فى الداخل، مؤكداً: «أنه لا يستطيع أن يحرك كرسى من مكانه فزوجته تعشق النظام وهو لا يستطيع أن يعبث بالمكان.. لأنه يرفض فكرة إزعاجها بأى حال من الأحوال».

وقبل أن تدور الكاميرا انطلق رمزى بتلقائية شديدة يحكى عن ذكرياته وبداية علاقته بالسينما، وصديقيه اللدودين عمر الشريف ورشدى أباظة، وكيف أنه أحبهما جداً وحاول إصلاح العلاقة بينهما أكثر من مرة، إلا أنه فشل، عندهما وإصرار كل واحد فيهما على أنه الأول، والأكثر جاذبية، ويضحك رمزى ويروى لنا عن رحلات هروبه مع عمر الشريف يوميا من «فيكتوريا كوليدج» وسهرهم فى بارات الإسكندرية، وكيف تم ضبطهما أكثر من مرة، ولا يخجل أن يروى كيف كانت تتم معاقبتهما، ويروى عن والدته الاسكتلندية، والتى دعمته وعلمته أن يكون صاحب شخصية معتدة بنفسها، وسعاد حسنى وعلاقتها بحليم وعلاقتها المميزة به وكيف كانا أصدقاء، وصداقته بالنجمة الكبيرة فاتن حمامة وكيف أنها لم تنقطع يوماً. سيل من الذكريات انفتح، وأبداً لم يخجل نجم بحجمه وتاريخه من أن يعترف أمامنا بأخطائه فى حق نفسه، وكيف أن النجومية أخذته، وجعلته يرتكب العديد من الحماقات ويخسر خسارات متتالية، خصوصاً عندما قرر أن يعمل فى التجارة، وكيف أن المخرجين وصناع السينما ظلموه لأنهم حصروه فى نمط واحد من الشخصيات، رغم أنه كان يملك طاقة فنية لم يستطع أحد توظيفها بالشكل الذى يرضيه وظهر بعض منها فى «ثرثرة فوق النيل» «والعنب المر»، وأخذ يروى عن احترام جيله للعمل وكيف كان للفن قدسيته، وأنه ونجوم جيله لم يكونوا معنيين بجمع الأموال، بل العكس، كانوا يهتمون بصناعة سينما وفن يبقى ويستمتع به من يشاهده، والمفارقة أن تلقائية رمزى تلك كانت تتوقف تماماً عندما دارت الكاميرا، حيث كان يجيب باقتضاب، وبإجابات قصيرة جداً وأذكر أننى عندما اقتربت منه لأسأله، قال لى: «لا أريد أن أجرح أحدا» أنا اخترت البعد والعزلة بكامل إرادتى، أرى فقط من أحب وأتحدث مع من أرغب، فالقاهرة لم تعد هى، والناس بقه شكلهم وحش من الهم والمتاعب والتلوث».. وأنا كل ما أريد الاحتفاظ به هو شريط ذكرياتى، فأنا عرفت فضيلة الاستغناء، واصطحبنا لنستكمل التصوير على شاطئ البحر وكنا جميعا نرتعد من البرد وأخذ ينظر إلينا ويضحك.. حيث كان أكثر منا نشاطاً. وعندما دارت الكاميرا استعاد تلقائيته وكأن بينه وبين البحر سر خاص، ويجعله يشعر براحة أكبر، وأثناء التصوير بدأ المطر يتساقط، وقتها صفق مثل الأطفال فرحاً بحبات المطر، ونظر للسماء وكأنه يحدثها ضاحكاً: «عايز مطر أكتر» ثم قال لى: هل هناك أجمل من ذلك، أنا دلوقتى ممكن أتكلم معاكى فى أى حاجة، وعن كل حاجة».. وبعدها تركناه وهو يستعد لصنع غذائه بنفسه.

وكانت واحدة من أجمل الحلقات التى حملت سحر تلك الشخصية أحمد رمزى الذى عاش حياته كما أراد، اختار أن يعيش وحيداً ويموت وحيداً بجوار البحر ومن حوله سماء مفتوحة تسمعه طوال الوقت، ومنه كان يستمد سحره وتألقه، وستظل صورته وهو يصفق لنزول المطر كالأطفال واحدة من أجمل اللقطات التى أحتفظ بها فى مخيلتى للفتى الدونجوان الشقى، نموذج فارس الأحلام حتى الآن.


موضوعات متعلقة:


◄اليوم السابع يعيد نشر آخر حوار للراحل أحمد رمزى.. الفتى الشقى: أتمنى عودة المصريين للعمل قبل ما نموت من الجوع.. مازلنا نعيش فى الدولة الناصرية.. صناعة السينما خرجت من مصر لدول عربية لا يسمع عنها أحد

◄إخفاء خبر وفاة أحمد رمزى عن عمر الشريف

◄أحمد رمزى يرحل قبل تكريمه من المركز الكاثوليكى

◄جثمان أحمد رمزى فى انتظار وصول شقيقته لاتخاذ إجراءات دفنه

◄وجدى الحكيم: دخول "رمزى" الفن جاء بالصدفة ثم أصبح دنجوان جيله


◄سميرة أحمد: "رمزى" أعطى للسينما الكثير وتميز بخفة ظله


◄نادية لطفى: عشق "رمزى" للطبيعة جعله يقضى أواخر حياته بالساحل الشمالى






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة