سنوات لا يعرف لها عدداً لم تبتعد أحلامه طوالها عن سور الصينية التى قضى فيها معظم ذكريات حياته، هنا تصبب عرقاً تحت شمس يوم من أيام الصيف الحارقة.
استلقى مع زملائه للراحة من عناء يوم عمل طويل، أما هنا فهبطت أمامه أولى قنابل الغاز فى ظهر الخامس والعشرين من يناير، وهنا سقط على يديه أول شهداء الميدان الذين سالت دماؤهم بدلاً من مياه الخرطوم الذى فقده "عم صلاح" جناينى" ميدان التحرير فى زحام القنابل الممزوجة برائحة الموت التى حلقت فوق ميدان التحرير لأيام طال عددها، وطال خلالها انتظار عم "صلاح" جناينى الصينية على أمل العودة لعمله بعد أن أغلق الميدان بواباته محتضناً الثورة شهراً تلو الآخر.
على مقربة منه فى "الجنينة" المواجهة لمجمع التحرير، جلس "عم عادل" رفيق العمر طوال 43 عاماً هى سنوات عملهما معاً داخل ميدان التحرير منذ أن عينهما حى غرب لزراعة "جناين" الميدان عام 1970 ، الذى بدأت منه قصتيهما بالعمل "كجناينية" للميدان قبل أن يغطى الشيب رأسيهما التى اكتسبت حمرة شمس الميدان تاركة علامات لا يمكن إخفاؤها، عاصروه منذ أن حمل لافتات ممنوع الاقتراب أو التصوير، حتى حمل لافتات "ارحل ارحل يا مبارك"، لم تغب عنهما "رنة الشلن" كما وصف "عم صلاح" هدوء الميدان والحراسة المشددة التى سيطرت عليه قبل اندلاع الثورة.
ما يقرب من عامين هى المدة التى انقطعت خلالها علاقتهما بميدان التحرير بعد "العشرة الطويلة، سيطرت خلالها خيم المعتصمين على "صينية الميدان" التى تغير شكلها واحترقت أشجارها التى عكف كل من عم عادل وعم صلاح على زراعتها والعناية بها طوال سنوات، انتقلا فى نهايتها إلى جناين أخرى فى الزمالك والدقى والمهندسين، وبالرغم من الخطر وصعوبة الانتقال إلا أن حياتيهما طوال العامين لم تخل من زيارات خاطفة فى ليال وصفاها بالـ"آمنة" نسبياً، اجتمعا فيها واتفقا على اللقاء أمام صينية الميدان فى محاولة لإلقاء نظرة على "شقا عمرهما" الذى احترق أمام أعينهما مئات المرات على شاشات التليفزيون أثناء متابعتهما لأحداث الثورة، قبل أن ينطلق قرار عودتهما لممارسة عملهما بالميدان ليحاول كلا منهما إعادة الصينية إلى سابق عهدها.
"كان بيصعب علينا بعدنا عن بيتنا إللى عشنا فيه عمرنا على الحلوة والمرة، بس ما باليد حيلة" يحكى عم "عادل" جناينى حديقة المجمع عن ذكرياتهما بعيداً عن الميدان، بينما يتذكر "عم صلاح" ذكرياته مع الصينية التى لم يبق فيها سوى ثلاث من الأشجار التى زرعتها يداه منذ سنوات بعد أن احترقت الجنينة بالكامل عدة مرات أثناء الثورة وما أعقبها من أحداث توالت على الميدان طوال ما يقرب من عامين.
أما عن ميدان ما قبل الثورة فى ظل حكم النظام الذى عاصره جنينية الميدان يقول "عم صلاح": زمان كان الشلن يقع تسمع رنته فى ميدان التحرير، مكنش حد يستجرى يعدى من هنا، كانت أحلى حتة فى مصر" متذكراً يحكى"عم صلاح" عن الرقابة المشددة على الميدان قبل اندلاع الثورة، ودوريات الأمن المستمرة التى كانت تطوف بالميدان الذى لم يجرؤ على الاقتراب منه أحد.
"أول يوم للثورة كنا هنا فى الميدان بنشوف شغلنا وفجأة مبقناش عارفين القنابل نازلة علينا منين، وجتلنا بعدها أوامر بترك الميدان، ونقلونا جناين تانية" يحكى "عم عادل" عن ظروف تركهم للميدان ونقلهم للعمل فى جناين أخرى، نظراً للظروف التى مرت على ميدان التحرير، وانتهت بتحويله لميدان الحرية.
عودة "جناينية الميدان"..عم "صلاح": 43 عاماً بيزرع الصينية
السبت، 29 سبتمبر 2012 04:34 م
عم صلاح و"عم عادل" جناينية الميدان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة