حال منزل "سناء" لا يختلف كثيراً عن حال غيرها من المنازل المجاورة، التى عاشت طوال سنوات معتمدة على عشرون رغيف يومياً بجنيه واحد من مخبز "عم محمد"، "فرن العيش" الأشهر بشارع ترعة الجلاد فى الشرابية، قبل أن تغلق أبوابه فى وجه عشرات الزبائن الذين وقفوا بالأقفاص الفارغة فى انتظار عودة خبز "عم محمد" الذى وقف بدوره عاجزاً أمام قرار "مديرية التموين" بغلق المخبز وتشريد 7 أسر من عمال المخبز لا تعرف مصدر رزق سوى "الفرن" الذى لم يتوقف عن العمل منذ ما يقرب من 40 عاماً هى عمر الدكان الصغير الذى يعتمد عليه سكان الشارع الكبير بحى الشرابية.
أما عن حال "عم محمد الطيب" صاحب المخبز فلم يكن أفضل من أهالى المنطقة، فمازال يستيقظ مع شروق الشمس جامعاً عماله للجلوس أمام الدكان المغلق فى انتظار "الفرج"، ويقول "أنا مأجر الدكان ده من سنة 70، ومن ساعتها وأنا بأكل كل أهل الشارع كل يوم.. وده باب رزق لناس كتير أوى" بأسى يحكى "عم محمد الطيب" ذو الخمسة وسبعون عاماً حكايته مع "الفرنة" كما تعود الجميع تسمية باب "أكل العيش" الذى وقف أمامه جميع العمال فى يأس غير مستوعبين انقطاع مصدر رزقهم الوحيد.
أما عن أسباب "وقف الحال" كما وصف العمال يقول "عم محمد": صاحب الملك ليه ورثة عايزين ياخدوا منى الدكان بالعافية وأنا بدفع الإيجار والضرايب أول بأول.. بس عشان عنده واسطة فى الحكومة وقف أكل عيشى" بتفكيره البسيط يقول "عم محمد" وسط عماله وأهالى المنطقة الذين تجمهروا حول "فرنة العيش" التى انطفأت نارها بعد أن توقف "مطحن المنطقة" عن إرسال حصة الدقيق التى تسلمها "عم محمد" كل صباح طوال 40 عاماً.
بتفاصيل أكثر يحكى "سيد الطيب" أحد العاملين بالمخبز عن كارثة سد باب الرزق فى وجوههم قائلاً:"فوجئنا بقرار من مديرية التموين بإلغاء حصتنا من الدقيق، وعندما توجهنا إلى المديرية أخطرتنا بعدم معرفتها السبب، وقامت بإرسالنا إلى وزارة التموين التى توجهنا إليها بعدد من الشكاوى منذ أن بدأت كارثة إغلاق باب "أكل عيشنا" دون سبب واضح".
"شحططونا من المديرية للوزارة، لقطاع الفتوى والتشريع، قدمنا شكاوى فى كل حتة وعملنا محاضر ومحدش معبرنا" يكمل "سيد" مخرجاً ورقة الأمل الأخير من حافظة أوراقه الخاصة بقضية المخبز قائلاً:"أخيراً استطعنا الحصول على رد مكتب وزارة التموين التى أفادت بعدم أحقية صاحب الملك المدعو "محمود فوزى" بغلق المخبز دون الرجوع للشهر العقارى، وعدم قانونية إلغاء حصة التموين التى أقر مكتب الوزارة أنها مازالت من حقنا، مع الالتماس بإعادة صرف حصة الدقيق، وعند ذهابنا إلى مديرية التموين اكتشفنا أن القرار مجرد "كلام على ورق".
"الفرنة فاتحة بيوت كتير... وقفلها وقف حال للشارع كله، إحنا مستنين قرار المسؤليين وأكيد الريس ميعرفش حاجة عننا" ببساطة ينهى "عم محمد" حديثه لليوم السابع من بين أرفف المخبز الفارغة التى ينتظر فى قلة حيلة عودتها للعمل من جديد.









