الكوزيونجى.. اسم لم يسمعه الكثير منا وربما حتى لو حاولت أن تبحث عنه لدى جوجل– أو مالك كل الإجابات، كما يسميه الشباب، لن تجد أى من نتائج البحث تتصل بهذا الاسم، على الرغم من أنه وجوده يمتد إلى بداية نشأة الأسواق الشعبية فى العالم وفى مصر بالتبعية كأول صوره لرجل الدعاية والإعلانات الذى يبتكر الأغانى ويصمم الإعلانات ويخطط لها ويقدمها، وربما يبيع السلعة بنفسه أيضا فى نفس الوقت، داخل عالم لم تسلط عليه الأضواء ولم يهتم أحد بالدخول إليه، على الرغم من وجوده فى حياتنا منذ مئات السنين، واحتكاكنا به كل يوم تقريبا.
هل كنت تمشى فى أحد الأسواق لتجد من ينادى عليك فجأة بالتحديد من بين آلاف البشر بأعلى صوت، وحين تنظر تجد أن كل من حولك ينظر لنفس النداء الذى خطف الجميع بمهارة، أو لفت انتباهك شخص يقدم عرضا شعبيا خاصا مصحوبا بالرقص والغناء لملابس تباع على الرصيف، وربما يكون ممسكا بمزمار أو رافعا طبلة أو حاملا ميكرفون، ولو قابلت هذا الشخص فهذا هو الكوزيونجى أو النديه.
ويفسر أحمد السيد هنداوى، أحد الكوزيونجية هذا الاسم ويقول "الاسم فى الأساس جاء من الأوكازيون أو التخفيضات التى تعد أكثر ما يجذب الزبائن وهذا هو عمل الكوزيونجى بالتحديد".
الكوزيونجية هو عالم خاص يصل إلى ذروته فى مصر مع الأعياد فوق أرصفة وسط المدينة أو شوارع الوكالة أو أزقة حى الحسين وغيرها من الأسواق الشعبية فاختراقه له قواعد مشدده بعد معاناة الكوزينجية خلال الأعوام الماضية من اضطهاد كبير وخصوصا من الإعلام الذى وصف الباعة الجائلين فى عديد من الأحيان البلطجية، ليقطع عيشهم سنوات حتى جاءت الثورة وكسرت الحدود وفتحت لهم بابا جديدا لن يسمحوا الآن بأن يغلق من جديد– من وجهة نظرهم، والعمل به أيضا يجرى وفقا لدستور بين الباعة والكوزيونجية فلا يمكن أن ينتقل كوزيونجى من بائع إلى آخر إلا بعد الاستئذان والاتفاق بينهم ويقول هنداوى "إحنا هنا بنبقى زى ولاد المعلمين اللى نبدأ معاهم وما نقدرش نسيبهم إلا برضاهم".
40 جنيها هو التقدير الأقل لأجر الكوزيونجى فى اليوم والأعلى يصل إلى 100 فى الأيام العادية أما أيام الأعياد فالأمر مفتوح بالنسبة لتقدير "صاحب الفرش" ويقول وليد أحد الكوزيونجية "إحنا هنا اللى بنجيب الزبون وندخل الفلوس لصاحب الفرش اللى بنعتبره أبونا عشان كده هو بيبقى مهتم جدا أنه يبسطنا ويدينا على قد اللى يجيله ودلوقتى بعد الثورة الكل الحمد لله بقى عنده شغل والفلوس بقت كويسة حتى بقينا نصنع الشغل بنفسنا بدل ما كنا بنستورده من الصين زمان".
فى قلب عالم الكوزينجية كل الطرق تؤدى إلى الزبون فلا غضاضة من الرقص بالأسلحة أو قذف الملابس وسط الشارع لتسقط فى قلب يد المشترى دون أن يشعر ثم يبدأ التفاهم حول الشراء أم لا، ومع العيد والاحتفالات فاستخدام الصواريخ التى تصنع أشكال فى الهواء هو من الأمور المستحبة مع الأغانى الشعبية وأيضا التعاون بين كوزيونجية الفرش المختلفة مباح فلا مانع من تشكيل "دويتو" بين فرشتين يتبادلان الدعاية والرد بين بعضهما لجذب الزبون مع الطبل والمزامير وحتى الاعتراف بسرقة المعروضات فى بعض الأحيان يكون مباحا.
أحمد مزيكا هو أحد الكازيونجية المشهورين فى وسط المدينة وتعود شهرته إلى ابتكار فكرة تقديم معروضاته على أنها معروضات مسروقة لجذب الزبائن بعد أن عمل فى هذه المهنة عامين متصلين ويقول "الزبون بتشده أى حاجة جديدة وهى دى شغلتنا زى بتوع الإعلانات كده".
كأى عالم فعالم الكوزيونجية به مئات الصعاب ما بين التمرس فى قلب الأسواق ومشاكلها وتحمل ساعات من الصراخ المتصل دون توقف ويقول مزيكا "الشغلانة ديه بتأثر على كل حاجة فى الجسم ومتعبة فوق ما أى حد يتصور تخيل أنك كل يوم مطلوب منك تقف أكثر من 12 ساعة ما بتعملش حاجة غير أنك تنده بكل قوتك وبشكل متواصل على الناس " ويتابع مزيكا "رغم النجاح اللى عملته فى الشغلانة بس أنا مش هكمل فيها ثانى حتى لو هشتغل أى حاجة".
"إحنا كلنا مؤهلات عليا لكن ما فيش شغل فى البلد وهنا الشغل كثير جدا" هذا ما يردده معظم الشباب من فوق الفرش التى يقفون عليها ومن بين سماعات الأغانى التى ترج الشوارع مع الأعياد ويقول مزيكا "نفسى حد قبل ما يفكر يمشى البياعين يفكر هيودى الشباب دية كلها فين هنا مش أقل من 1000 شاب فى وسط البلد بس شغالين كوزيونجية غير البياعين وغيره نفسى يجيبوا لنا شغل وإحنا كلنا مؤهلات عليا بدل ما يبقى كل التفكير فى قطع عيشنا".
أمام مول طلعت حرب يقف محمد أو أبو نور وهو أحد أصحاب الفرش "القدامى" فى الشارع منذ حوالى 15 عاما حيث تغيرت الأوضاع الآن بعد الثورة مثلما يشرح ليأتى العديد من الشباب غير المنتمين للشارع، ويبدأ البيع وينقسم الشارع إلى البائعين القدامى والبائعين الجدد ولكن جميعهم لا يمكنهم الاستغناء عن الكازيونجى فى المنافسة الكبيرة بين التجار ويشرح "غالبا كوزيونجى واحد أساسى بيكون كفاية للفرشة والبياعين بيساعدوه ويشتغلوا معاه ويبيعوا فى نفس الوقت" ويتابع "هذا طبعا إضافة لمهنة "المحزى" الذى تكون وظيفته مع المحلات البعيدة عن الشارع ليقف ويتحدث مع الزبائن ثم يحضرهم للمحل".
15 عاما فى العمل تجعل أبو نور يترحم على أيام زمان ويقول "طبعا الشغل زمان كان أجمل وعلى الرغم من أن الفرش كان أقل من دلوقتى بسبب الأمن بس كنا بنشتغل أحسن من زحمة دلوقتى وحتى النديهة كان شغلهم أحسن".
ويكمل أحمد هنداوى "أنا خريج حاسب آلى وكنت متخصص فى قواعد البيانات ولما اتخرجت دخلت الجيش وجيت اشتغل قالوا لى هات كورسات وهات خبرة قولت أنا لسه هكلف أهلى بعد التعليم والحمد لله بقالى 6 سنين كوزيونجى".
ويتابع أبو نور "أنا واحد من الناس نفسى حد يستغل طاقة الشباب المتعلمين اللى مرمية هنا وبتنام تحت الفرش فى الشارع فى مشروع حقيقى لمصر يعنى لو عملوا مصانع تشغلهم فى تصنيع الملابس وينقلوا لينا السوق فى مكان منظم نبيع فيه ونصدر الفائض هنجيب دخل أكبر للبلد وهنشغل الشباب اللى كلها مؤهلات بدل رميتها فى شغلانة مش محتاجه غير لسان حلو".
ومن هنا يتابع هنداوى شرح مؤهلات الكوزيونجى فى نفس المايكرفون الذى يستخدمه لجذب الزبائن "طبعا مش أى حد ممكن يشتغل كوزيونجى لازم يكون لسانه حلو وذى الممثل بيقدر يقف قدام جمهور كبير ويتكلم معاه ويبتكر طرق وإعلانات جديدة لجذب المشترى وقبل كل ده لازم يكون بياع" ويوضح " يعنى أى كوزيونجى يقدر يشتغل بياع لأن الترويج وشد الزبون أصعب لكن مش أى بياع يبقى كوزيونجى يقدر يجيب الزبون من الهوا".
أسئلة عديدة يطرحها عالم الكوزيونجية -الذى تطور من زمن النداء على المنتج إلى زمن الصواريخ التى تملأ السماء أشكالا مثل احتفالات مباريات الكرة العالمية- على الوضع العام فى مصر..
فهل هو عمل ينقذ الآلاف من الغرق فى بحر البطالة؟ أم قبر لمئات المواهب والقدرات المصرية؟ وهل سينتظر الكوزيونجية هجمة منظمة من الحكومة المصرية لهدم فرش الباعة الجائلين التى أصبحت تحتل الشوارع فى الفترة القادمة ضمن وعود الرئيس بعودة النظام؟ أم سيفكر أحد فى الاستفادة منهم ومن طاقتهم فى شىء مفيد؟ وهل سينظر لهم على أنهم شباب لهم ملكات خاصة تستطيع جذب الأموال والترويج للمنتجات من فوق الأرصفة فى أصعب الظروف؟ أم سينظر لهم كعالة على المجتمع يجب بترها مع آلاف الباعة الجائلين؟.
عالم "الكوزيونجية": كل الطرق تؤدى إلى الزبون
الأربعاء، 22 أغسطس 2012 09:23 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة