قال الدكتور عماد عبد اللطيف، مدرس تحليل الخطاب والبلاغة بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن ظاهرة الدعاء للحاكم ظاهرة قديمة فى المجتمعات العربية، نتيجة سيطرة أنظمة حكم مستبدة على السلطة، تحاول أن تحصل على شرعية ما تتيح لها الاستمرار فى الحكم، بواسطة كسب تأييد رجال الدين لهم، والعلاقة بين الفقهاء والمشايخ والسلطة الحاكمة شديدة التعقيد والترابط، خاصة فى المجتمعات المتدينة مثل المجتمع المصرى.
وللأمانة فإن بعض المشايخ كانوا يدعون لمبارك على المنابر، لكن دون ذكر اسمه، بل باستخدام كناية "ولى أمر المسلمين" وعادة ما كان الدعاء له يقتصر على الدعاء بالصلاح، لكن التغيير الجديد هو أن بعض المشايخ يذكرون اسم الرئيس مرسى نصًا، ويدعون له بالنصرة على أعدائه وبالتمكين، وغيرها من الدعوات التى تخص الاستحواذ على السلطة فى مواجهة المعارضين.
وحول تفسير هذا التغيير، أوضح "عبد اللطيف" أنه مرتبط بتغير دوافع الدعاء للحاكم، فالدعاء لولى الأمر فيما مضى كان صيغة تقليدية أشبه بتفصيلة من تفاصيل طقس صلاة الجمعة، أما الدعاء لمرسى، فهو عادة ما يكون مدفوعًا بتأييد سياسى له، أو الحرص على دعمه أيديولوجيًا، وهو بذلك يتحول إلى عمل سياسى خالص، ولعل هذا يفسر أن الدعاء للرئيس مرسى عادة ما يتجاوز الدعاء بالصلاح إلى الدعاء بالتمكين والنصر، وهناك فرق كبير بين الأمرين.
وعن وجود علاقة بين تحول بعض الخطب إلى التوجيه السياسى، وما يحدث حاليًا من توتر سياسى، خاصة مع احتمالات خروج مظاهرات ضد الرئيس مرسى، قال "عبد اللطيف" الخطاب لا ينشأ من فراغ، فهناك بالطبع علاقة ما بين الوضع السياسى الراهن وتزايد مساحة الكلام السياسى فى الخطب الدينية، وإعادة استخدام مفردات مثل الفتنة وولى الأمر والخروج على الحاكم وغيرها من التعبيرات التى تنتمى إلى خطاب الدولة الدينية وليس إلى خطاب الدولة المدنية، لكن لابد أن أذكر نقطتين مهمتين: الأولى أن الخطاب الداعم لمظاهرات الرابع والعشرين من أغسطس يمتلئ بالغموض والإبهام والتناقض، وفى الحقيقة فإن قدرته على الإقناع شديدة المحدودية، وهو خطاب فقير فى حججه، وهش فى قناعاته، ولذا فإن قدرة تأثيره على المصريين سوف تكون محدودة، وأظن أن الاستجابة لهذه الدعوة للتظاهر سوف تكون ضعيفة وهزيلة، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن أصحاب الدعوة للتظاهر، لا يحظون بدرجة قبول شعبى، أو مصداقية كافية، تتيح لهم التأثير فى الجماهير، كما أنهم لوحوا بداية بالعنف، والمصريون يرفضون العنف لأنهم يدركون أن ثمنه سوف يكون باهظًا، ومن هنا فإن رد الفعل الخطابى من مؤيدى الرئيس مرسى يبدو هو أيضًا مبالغًا فيه، ويعتمد على التهديد والتخويف واستخدام الدين أداة للقهر السياسى، وأظن أن معالجة الأمر على هذا النحو تنطوى على خطأ شديد، ويقودنى هذا إلى المسألة الثانية وهى أن أنظمة الحكم الوطنية المخلصة لا تحميها الفتاوى أو التكفير، بل يحميها العمل الجاد المخلص لصالح الوطن، والحرص على قيم العدالة والمساواة بين الجميع، وبذلك فإن الخطاب الذى ينجح فى التصدى للمعارضين ليس هو خطاب التخويف، وإنما خطاب الإنجازات: أعنى العمل لصالح الوطن، ولا شىء سوى ذلك.