د. رضا عبد السلام

لا لقمع الحريات.. ولكن!

السبت، 18 أغسطس 2012 12:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مَن مع قمع الحريات؟ مَن مِنا يقبل أن تتعرض حريته لأى انتهاك من أى شخص كان؟! ألم تكفنا عقود من القمع والكبت حتى نعيد الكرة مرة أخرى؟ فالحرية هى الوجه الآخر للتقدم والإبداع والتنمية.. وما تقدمت الدول التى أحرزت التقدم إلا بفضل الحرية بكافة صورها، سواء الحرية الاقتصادية أو حرية الفكر والإبداع.. إلخ.. وقد أكد ديننا الحنيف ونبينا الكريم وخلفائه الراشدين والسلف الصالح على أهمية توفير المناخ الحر لتتقدم الأمة الإسلامية.

ولكن.. عن أى حرية نتحدث؟ وهل الحرية حرية مطلقة، لا حدود تحدها ولا ضوابط ترشدها؟ فالحرية المطلقة، كما أكرر دائماً مفسدة مطلقة.. وكما تعلمنا فى كتب القانون ونعلم أبناءنا أن حقك وحريتك تنتهى عند حق الآخرين، ولهذا فإن القانون يعاقب المتجاوز فى استخدام الحق.
ومن هذا المنطلق، لابد وأن يكون نقاشنا المجتمعى الراهن نقاشاً وحواراً بناءً لا حوار طرشان.. فكل طرف يتهم الآخر بالتجاوز، الرئاسة والحكومة يتهمان الإعلام بالتطاول وتخطى ما يسمى بالخطوط الحمراء، من خلال السب المباشر، وتأليب أفراد المجتمع على بعضهم البعض وإشعال الفتن من أجل مغانم مادية، وفى المقابل يرى رجال الإعلام أن الحزب الحاكم (الحرية والعدالة)، يوشك أن يعيد مصر إلى مربع الصفر، ربما إلى ما قبل 25 يناير بعقد كامل، حيث مطاردة أصحاب الفكر والرأى المعارض.

الحقيقة المرة يا سادة هى أن كُل يبكى على ليلاه! أليس هذا صحيحاً؟ مَن يفكر فى مصر الآن؟ بل مَن تعنيه مصر ومستقبل مصر وحاجات البسطاء من شعب مصر؟! فمع أى حادثة أو كارثة، كحادثة دهشور وكارثة العدوان على زهورنا فى رفح، تتعالى أصوات المتاجرين بمصر.. للأسف، هى لعبة مكشوفة تماماً، ولا تنطلى إلا على البسطاء من أبناء هذا الشعب.

مؤكد أن أداء مؤسسة الرئاسة ليس فى مستوى طموحاتنا جميعاً، ولكن من الواضح أيضاً أن هناك من يختلق الأحداث والمشكلات لإغراق الرئيس والحكومة فى دوامة المشكلات، ولكى يظهرا أمام الشعب على أنهما غير قادرين على إدارة شئون البلاد، وهذا بخلاف الأستاذ شفيق المعجزة، الذى كان قد وعد بإعادة الأمن فى أربعة وعشرين ساعة! لقد تناسينا التركة الثقيلة، التى تركها لنا مبارك، حيث مجتمع يغط فى الجهل والفساد والتبعية للحزب البائد ... كل هؤلاء يقفون حجر عثرة أمام أى ساعٍ للبناء والتنمية.

ولهذا فإن دعوات ما يسمى بالثورة الثانية فى 24 الجارى هى فى اعتقادى دعوات مسمومة، يقودها مجموعة لو كانوا يريدون الخير لمصر لوقفوا إلى جانب الرئيس، الذى حاز على أغلبية أصوات شعب مصر، ودعموه ونصحوه، فإن فشل قوموه وخلعوه كما خلعنا مبارك.. ولكن هؤلاء لا يعنيهم الرئيس، بل لا تعنيهم مصر ولا شعبها.. هؤلاء سعداء لكونهم محور حديث العامة ووسائل الإعلام، كما كانوا خلال عهد ولى النعم! ولكن هذه المجموعة غير مدركة أنها بأفعالها وتحركاتها المسمومة تهدم آمال وطن بأكمله.. ولكن متى كان للوطن مكان فى حسابات هؤلاء؟!

فالحقيقة التى أراها ويراها معى الملايين، هى أننا أمام طرفين يناطح بعضهما بعضا، طرف الرئاسة والحكومة وطرف من نصبوا من أنفسهم أوصياء جدد على مصر وشعبها.. أشخاص صنعتهم فضائيات الدمار لم يدركوا أن شعب مصر بلغ سن الرشد.. فالرئيس يجتهد لأن ينجح فى مهمته، لأن فى نجاحه نجاحًا للحزب والجماعة التى ينتمى إليها والعكس صحيح، فضلاً عن كونه نجاحاً لمصر الحبيبة.. وفى المقابل أمامنا الأوصياء الجدد الذين ليس لهم من هم سوى العودة بنا إلى الخلف، ليُظهِروا الرئيس بمظهر العاجز، وليشوهوا صورة جماعة الإخوان المسلمين، حتى يتهيأ المجتمع المصرى تماماً للانتخابات البرلمانية القادمة!! أليس كذلك؟!

للأسف الشديد، هذه هى الحقيقة المرة، فرغم إدراكى التام لأخطاء مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان وحزبها، وقد عرضت لهذا فى مقالات عديدة، إلا أننى أرى ويرى معى الكثيرون أن من يعتبرون أنفسهم التيار الليبرالى ومعهم فلول نظام مبارك، أشهروا أسلحتهم وسلطوا فضائياتهم ومتحدثيهم ليس من أجل مصر أو شعبها، ولكن من أجل النيل من الرئيس المنتخب بإرادة الشعب وكسب أرض انتخابية جديدة، ولتذهب مصر وشعبها إلى الجحيم.

فى اعتقادى المتواضع، أننا خلال أشهر ما بعد الثورة لم نشهد فقط سقوط الطاغية مبارك ولا أزلامه، ولكن شهدنا أيضاً سقوط وانكشاف الكثير من الأقنعة، لأشخاص كنا نتوسم فيهم الخير.. فقد بدا لنا حقاً أن "كل يبكى على ليلاه"، وأن كراسى السلطة لا تزال تتمتع ببريقها، رغم ما أحدثته بأنظمتنا العربية البالية. مؤكد أن أغلب من يعملون فى الصحافة والإعلام هم وطنيون شرفاء، ولكن أصحاب الصوت العالى والضربات الاستباقية ومشعلى الحرائق هم من أشعل هذه الفتنة وأدخلنا فى هذه الدوامة.

خلاصة القول، لا يمكن لعاقل أن يعارض حرية الصحافة والإعلام، أو أن يقبل بقمع الحريات أياً كانت تلك الحريات، ولكن علينا أن نتذكر جيداً أن حدود حقك تتوقف عند حدود حق الآخرين وكذلك حريتك. فليس من الحرية السب والقذف وإشعال الفتن وتحويل الفضائيات إلى ما يشبه المصاطب فى قرانا المصرية. لا يمكن لعاقل أن ينكر حقيقة تدنى مستوى وأسلوب الكثير ممن يسمون برجال الإعلام فى هذا العصر.. فالإعلامى الحق هو ذلك الإنسان المثقف الذى يضيف مع كل كلمة جديدة لبنة فى بناء الإنسان والمجتمع المصرى.. أما أن تتحول الفضائيات إلى وصلات للردح والانتقام فتباً لهذا النوع من الإعلام الهدام! وأرجو إذا كان هناك خطأ فى كلامى أن يتفضل أحد بتصحيحه.

إذا كنا بحق مخلصى النية، علينا أن نجلس سوياً وأن نحدد أوجه الاتفاق والاختلاف، وأن نتفاهم حول أوجه الاختلاف لنصل إلى حل علمى يرضى كافة الأطراف، وفى نفس الوقت يقود مصر إلى إنجاز رؤيتها ويمكن شعب مصر من تخطى المحن التى يعايشها.. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة