الشيطان شاطر، هكذا كنا نسمع هذه العبارة الأسطورية ونحن صغار، وطالما فكرت فيها كثيراً حتى نجحت فى تأويلها بأن للشيطان وسائل ووسائط وسبل متنوعة لإغواء الإنسان، وهذه العبارة قفزت إلى رأسى وأنا أتابع بحسرة وألم ما جرى لضباطنا وجنودنا البواسل واستشهادهم فى ثكنتهم العسكرية وهم يتهيأون لتناول طعام الإفطار بعد قيامهم بواجبهم الوطنى الشريف، وحسرات المصريين على إخواننا من قواتنا البواسل جعلنى أذهب لأسأل بعض القيادات العسكرية التى خدمت بالقوات المسلحة عن طبيعة الحراسة الحدودية.
أصابع الاتهام تشير إلى زوايا متعددة وربما غير مترابطة، ولعل الشارع المصرى أصبح بفضل الثورة خبيراً ومحللاً سياسياً دون إعداد أكاديمى بالجامعة أو دراسات عليا، فمنهم من يصر على أن إسرائيل وجنودها وراء هذا الحادث غير الإنسانى ولكن المبرر ليس حاضراً لديهم سوى أن إسرائيل تكره المسلمين، رغم أن مصر مسلمون وأقباط أيضاً، ومنهم من ذهب برأيه أن هناك فصائل فلسطينية هى التى نفذت الحادث اعتراضاً على استقبال الرئيس المصرى للسيد إسماعيل هنية، وهذه الفصائل لا علاقة ود لها بإسماعيل هنية، ولكن مبرر قتل قواتنا الباسلة غير حاضر أيضاً.
ومنهم من راح يؤكد أن منفذى العملية القذرة تلك هم رجال المخدرات والمهربين وتجار الشنطة القابعين بشبه جزيرة سيناء وأرادوا بذلك العمل ترهيب القوات حتى لا تتبع عملياتهم المشبوهة المدمرة لطاقات الشباب المصرى، ورأى رابع اجتهد قليلاً وقال إن منفذ العملية القذرة هم رجال القاعدة لأنهم يريدون أن يسيطروا على سيناء فى ظل فوضى أمنية تسود المنطقة وانشغال تام بالمشهد السياسى فى القاهرة.
أما خامس الآراء لرجل الشارع المصرى فكان رأياً طبيعياً وفطرياً لم يخرج عن سياق المألوف والمعتاد، وهو أن الطرف الثالث أو اللهو الخفى أو أنصار رموز النظام القديم البائد هم المنفذون لتلك الهجمة القذرة، وبهذا الرأى نكون قد رجعنا لنقطة الصفر وهى القصاص من القتلة التى يستبيحون أرواح ودماء وأجساد المصريين، والرأى السادس والأخير أن هذه الحادثة غير الشريفة مفادها إحراج الرئيس والحكومة الجديدة وإسقاطهم شعبياً وكأن مصر لم تكن يوماً حضناً دافئاً لمن فكر وقدر وبئس ما قدر.
ولعل هذه الكارثة غير الأخلاقية تدفعنا إلى البحث عن طرق ووسائل تجعل من حدودنا آمنة، وأن الوقت حان لضرورة الالتفات والانتباه لسيناء التى ظلت كمدينة بورسعيد مهملة من الخدمات وربما الحياة، ويكفيك أن تجلس مع بسطاء سيناء ليتحدث معك فتكتشف حجم المأساة الاجتماعية والخدمية التى يعانى منها المجتمع السيناوى.
فكل ما نعرفه عن سيناء أنها أرض الفيروز الذى لا نعلمه أيضاً أهو حجر كريم أم عطر أم نوع من الصخور أم غير ذلك كله، وكل معلوماتنا نحن أبناء المدينة أن سيناء هى الزى والغناء الفريد والرقصات الشعبية والرمال والخيام وكل مفردات الطبيعة والبيئة الصحراوية، وكل ذكرياتنا عن سيناء حرب أكتوبر فقط، غير ذلك فسيناء بحق حياة تنتظر الموت البطىء بفضل سياسات النظام السابق وتعطل مشروع التنمية فى هذا النظام الذى لا يحسد على حاله وظروفه أيضاً، لا بد من خطة تنمية عاجلة لشبه جزيرة سيناء بعيدة عن المزايدات الوطنية الزائفة وبعيدة عن الخطط بعيدة المدى، حتى مشروع النهضة الذى من شأنه وأجله هرول المصريون إلى صناديق الانتخاب للتصويت لصالح الرئيس محمد مرسى، فعلى القائمين عليه أن يغيروا مسار المشروع جملة وتفصيلاً نحو سيناء، لأن سيناء كما تعلمنا فى المرحلة الابتدائية سدس مساحة المحروسة وأنها حائط الصد الأول لمصر ضد الطامعين فيها، ولكن هذا الحادث القذر أعاد إلينا البصر وربما البصيرة فى تحقيق كل هذا على أرض الواقع، أقسم أن مصر تستحق الكثير، فهل من مشارك؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
alyhassan
الى الكاتب