وائل السمرى يكتب: الإمام محمد أبوزهرة.. كتيبة الفقه وعمدة الفقهاء.. أنكر حد الرجم وقال إنه دخيل على الإسلام من اليهودية واستنكر أن يرمى الرسول إنسانا بالحجارة حتى الموت

الأربعاء، 15 أغسطس 2012 09:37 ص
وائل السمرى يكتب: الإمام محمد أبوزهرة.. كتيبة الفقه وعمدة الفقهاء.. أنكر حد الرجم وقال إنه دخيل على الإسلام من اليهودية واستنكر أن يرمى الرسول إنسانا بالحجارة حتى الموت الإمام محمد أبوزهرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


-أنكر حد الرجم وقال إنه دخيل على الإسلام من اليهودية واستنكر أن يرمى الرسول إنسانا بالحجارة حتى الموت

- قال للقذافى فى مؤتمر عام حينما طالب العلماء باعتماد الاشتراكية مذهبا: على رؤساء الدول أن يقفوا عند حدودهم

-اختلف مع ابن تيمية فى إنكاره للمنطق وأبرز تناقضه ووضع الوهابية مع المذاهب الضالة الحديثة مثل البهائية

يقولون إن أفضل طريقة لشرح المقطوعات الموسيقية هى إعادة عزفها مرة أخرى، ولا يجد الواحد إزاء تناول عالم كبير بحجم الشيخ الإمام الفقيه المعلم الحازم الصارم الشجاع الكبير محمد أبوزهرة سوى القول إن أفضل طريقة لتناول منهجه وشرحه سوى أن تقرأ كتبه كلها، وإن أردت لها شرحا فأعد قراءتها مرة أخرى، وإن استعصت عليك فأعد للمرة الثالثة والرابعة والخامسة، فلن يقدر الواحد مهما تبحر أو استقرأ أو أحاط أن يجمل الحديث عن هذا العلم العلامة فى هذا المقام، ولا يبالغ الواحد إذا قال إن قراءة كتب أبوزهرة والإحاطة بها هى المدخل الحقيقى لمن يريد أن يعرف الإسلام وفقهه وتاريخه وعظمته، ويجدر التحسر هنا على ما آل إليه حال الفقه فى العالم الإسلامى إذا ما ذكر أبوزهرة، متسائلا: لماذا لا يجود الله علينا بمثل هذا الرجل الذى إن قرأت له فستتردد إن أطلقت على غيره لقب «عالم».

فى إحاطته بالمذاهب الفقيه حجة ومرجع وعلامة مضيئة فى تاريخ العلم ومذاهبه، وفى منهجه العلمى الرصين الجامع خير مثل لما ينبغى أن يكون عليه العلماء، وفى فهمه لقواعد الفقه وتنظيراتها ما أعجر أقرانه وأثار فى قلوبهم الغبطة والإعجاب فى آن واحد، إن أردت أن تعرف الرسول حق معرفته فاقرأ كتابه «خاتم النبيين» وإن أردت أن تعرف المذاهب الإسلامية وظروف نشأتها تاريخ أصحابها وقواعدها وتجديداتها فاقرأ كتبه الثمانية عن أئمة الفقه «جعفر الصادق وزيد ومالك والشافعى وأبوحنيفة وابن حنبل وابن حزم وابن تيمية» وإن أردت كتاباً واحداً يجمل لك كل هذا فاقرأ كتابه «محاضرات فى تاريخ الفقه الإسلامى» وإن أردت أن تعرف الإسلام مقارنة بالأديان الأخرى ومدى تقديره لآثارنا المصرية العظيمة فاقرأ كتابه «الديانات القديمة» أما إذا أردت أن تعرف معانى القرآن الكريم وتفسير آياته فاقرأ «زهرة التفاسير» وهكذا فى كل كتبه الكثيرة التى تقترب من الثلاثين، والتى على قدر تنوعها وكثرتها تتميز بالإحاطة التامة والمعرفة الواسعة والبحث الدؤوب، وهو الأمر الذى أعيا خصومه وأتعب أقرانه، وبرغم أن له العديد، فقد كان رحمه الله وأثابه بحق كتيبة من الفقه الملتزم الجسور، وعمدة الفقهاء وإمامهم.

ولد الإمام المتوفى فى العام 1974 عن عمر يناهز الستة وسبعين عاماً فى المحلة الكبرى، ونشأ نشأة إسلامية واعية، حيث تعلم القرآن فى أحد الكتاتيب وحفظه، ثم انتقل إلى المسجد الأحمدى بطنطا لاستكمال تعليمه وبعد ثلاث سنوات فى المسجد الأحمدى انتقل إلى مدرسة القضاء الشرعى سنة 1916 حيث درس فيها ثمان سنوات ثم تخرج سنة 1924 وحصل على عالمية القضاء الشرعى ثم اتجه إلى الدراسة فى كلية دار العلوم 1927م فألم بأسرار اللغة العربية ووقف على معانيها وجمالياتها، وتدرج فى الوظائف من مدرس للعربية فى المدارس الثانوية إلى تدريس فن الخطابة فى كلية أصول الدين ثم كلية الحقوق، بعدها بدأ بتدريس الشريعة الإسلامية وتدرج فى كلية الحقوق من رئاسة قسم الشريعة الإسلامية ثم منصب الوكالة حتى أحيل للتقاعد سنة 1958م. واختير عضوا فى مجمع البحوث الإسلامية 1962 بعد صدور قانون الأزهر، وصار الشيخ علما من أعلام الفقه الإسلامى حيث اشتهر بمواقفه الحادة الصارمة وكتاباته الرصينة الواعية، غير مبال بمنصب ولا مال، يضطهده الحكام فلا يأبه، ويعاديه فقهاء السلطة فلا يعتبر، ويمنع من الظهور فى الإذاعة والتليفزيون فلا يزيده هذا إلا شهرة وسمعة، ويذكر الدكتور محمد رجب البيومى أنه أحد الحكام تضايق من شهرة أبوزهرة برغم ما يمارسه ضده من اضطهاد فأتى به ليقول له إنه «إقطاعى» وأن كتبه تدر عليه أموالاً أكثر مما يتقاضيه الوزراء، فقال له الإمام: هى مؤلفات كتبت لله ولم تفرض على أحد، ولم تتول الدولة توزيعها قهراً على المكتبات ودور الثقافة الحكومية، ولما لاحظ هذا الحاكم الذى لم يسمه «البيومى» ولم أستدل عليه أن الشيخ معتد بنفسه واثق من منطقه أنهى الزيارة سريعاً.

ولأن الإمام كان من المستغنين عن عطف الحكام وموائد اللئام، رزقه الله قوة فى الحجة والبرهان وشجاعة فى إبداء الرأى لم تتوافر فى غيره، غير مبال بتبعات رأيه أمام حاكم ولا فقيه مهما علا أو تجبر، ويحكى ويذكر «البيومى» واقعة تبرز مقدار ما كان يتمتع به العالم الأكبر من شجاعة وحزم، وهو أن الإمام كان مدعوا لمؤتمر إسلامى يضم أشهر علماء عصره فى إحدى الدول العربية التى لم يسمها البيومى ولكنى عرفت أنها ليبيا فوقف القذافى رئيس ليبيا السابق ليقول فى افتتاح المؤتمر إن على العلماء أن يثبتوا أن الإسلام لم يعترف بغير الاشتراكية مذهباً، وأن الاشتراكية «الحق الوحيد الذى لا ثانى له» ولما انتهت كلمة القذافى سكت العلماء متحيرين فطلب أبوزهرة الكلمة فقال موجها حديثه للقذافى:
إننا نحن علماء الإسلام الذين يعرفون حكم الله فى قضايا الدولة ومشكلات الناس، وقد جئنا هنا لنصدع بالحق بما نعرف، فعلى رؤساء الدول أن يقفوا عند حدودهم فيدعوا العلم إلى رجاله ليصدعوا بكلمة الحق، وقد تفضلت بدعوة العلماء لتسمع أقوالهم لا لتعلن رأيا لا يجدونه صوابا مهما هتف به رئيس، فلنتق الله فى شرع الله. ولما انتهى الإمام من كلمته انتظر القذافى أن يرد عليه أحد، فلما أيده أغلب الحاضرين رحل القذافى عن المؤتمر وكانت جلسة افتتاحه هى جلسة ختامه.

على هذا النحو كان الإمام دائما يقول ما يعتقد دون مواربة، وعلى هذا فقد كانت بينه وعلماء المسلمين معاركة فكرية كبيرة، منها مثلا معركته الشهيرة مع الإمام محمود شلتوت بسبب فتواه التى أجازت التعامل مع البنوك، والإمام السورى الكبير مصطفى الزرقا بسبب فتواه التى أباح فيها التأمين على الحياة هو وكثير من علماء المسلمين، ولا يملك الواحد حتى إذا ما رأى قصورا فى رأى الإمام أبوزهرة إلا احترام قامة هذا الرجل وقيمته، فما أنبل أن يجهر كل عالم برأيه بشجاعة وصراحة حتى وإن اختلفوا فيكون الاختلاف اختلافا علميا محكما تتصدر فيه كلمة الحق، ويعلو على الصغائر برهان الحقيقة، ليرى كل مسلم كيف تستخرج الأحكام الشرعية وكيف يسوق كل عالم أدلته دون جبر أو إجبار أو شبه نفاق حاكم أو إرضاء جمهور، وهو الأمر الذى تمتع به الشيخ طوال حياته فلم ينافق حاكماً ولم يسع لإرضاء جمهور حتى إن شكل رأيه صدمة لهم، وهو ما يتحقق فى فتوى الشيخ بإبطال حد الرجم، التى لم يخشى فيها هياج العلماء ولا العوام ومضى ليقول بإبطال حد الرجم وأنه دخيل على الإسلام وأن أساسه يهودى مستدلاً على ذلك بالكتاب والسنة دون أن يخاف ولا يخشى، ويذكر الشيخ يوسف القرضاوى قصة هذه الفتوى التى وافقه كثير مع العلماء فيها فى مذكراته، فقال إن الإمام أبوزهرة فاجأ الجميع فى مؤتمر كبير يجتمع فيه كثير من علماء المسلمين بأن لديه رأيا كتمه منذ عشرين عاما وخاف أن يلقى الله وهو يكتم ما لديه من علم، فيسأله الله عن هذا وبالفعل مات الإمام بعد أن قال فتواه بأشهر، وقد قال: إنى أرى أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول فى أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد فى سورة النور، ولى على ذلك أدلة ثلاثة: الأول: أن الله تعالى قال: «فإذا أُحصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب» والرجم عقوبة لا تتنصف، فثبت أن العذاب فى الآية هو المذكور فى سورة النور، والثانى: ما رواه البخارى فى جامعه الصحيح عن عبدالله بن أوفى أنه سئل عن الرجم: هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: لا أدرى. فمن المحتمل جدًّا أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول آية النور التى نسختها. الثالث: أن الحديث الذى اعتمدوا عليه، وقالوا: إنه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقى حكمه أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنه كان فى صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق. وما إن انتهى الشيخ من كلامه حتى ثار عليه أغلب الحضور: ويستطرد القرضاوى قائلا أنه ذهب إلى الإمام بعد أن قال كلمته وتبادلا النقاش ثم قال له: يا يوسف، هل معقول أن محمد بن عبدالله الرحمة المهداة يرمى الناس بالحجارة حتى الموت؟ هذه شريعة يهودية، وهى أليق بقساوة اليهود.

هذا هو العالم المستبصر الذى عاش حياته كلها لا يبتغى إلا وجه الله فى كل ما يكتب أو يلقى من محاضرات، لا يتورع عن إبداء رأيه مهما كان الأمر، وفى إيمان كبير بعقل الإنسان وعظمة الإسلام، فقد كان الإمام يرى أن الشريعة الحقة لا تخاف العقل فى شىء، وكان يقول إن الدين مرجعه الأول إلى «النقل» ولكن الإسلام موافقا فى كل قضاياه للعقل، مستشهدا بقول الأعرابى: ما رأيت محمدا يقول فى أمر «افعل» والعقل يقول لا تفعل وما رأيت محمداً يقول فى أمر لا تفعل والعقل يقول افعل، وعلى هذا الدرب كان الإمام يسير معتقداً أن العقل هو الميزان الذى تنضبط به الأحكام عن طريق التعرف على المرامى والمقاصد من جملة النصوص، فأن يتعرف الواحد على الحكمة فى كل نص شرعى جاء بحكم، ليستخرج الأساس الذى جاء من أجله الحكم ليحكم الفقيه بمقتضاه، ثم ليتعرف الواحد على مقاصد الشريعة جملة من مجموع ما استنبط فيه من الأحكام المختلفة، ثم استنباط ما وراء النصوص فى الأمور التى لا يوجد فيها نص «لأن الحوادث لا تنتهى والنصوص تتناهى» مع الأخذ بالأمر بما تقتضيه مصلحة المسلمين وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أمام العلماء الراسخين، وهو الحق الذى كفله الرسول للمسلمين، والذى يظهر فى إقرار الرسول للعديد من المواقف التى استدعت الاجتهاد، منها مثلا إقرار علِىّ تيمم الصحابة فى غزوة من الغزوات حينما وجدوا أن الماء بارد وخشوا على أنفسهم من الأذى.

على هذا الأساس مضى الإمام فى آرائه وفتاواه، يعمل عقله الممتلئ بالمعرفة الإسلامية غير متهيب من أن يخالف كبار الأئمة إذا ما رأى أن رأيهم لا يستقيم وروح الإسلام، من دون أن يبخسهم حقهم أو يتجرأ عليهم، فبكل أدب واحترام وتقدير وعرفان خالف الإمام زيد بن على زين العابدين فى رأيه القائل بعدم جواز شراء أهل الذمة للأراضى فى بلاد الإسلام إذا لم تكن تلك الأراضى فى حوزتهم قبل دخول الإسلام، فيشير أبوزهرة فى كتابه عن فقه الإمام زيد إلى اعتراضه على ذلك قائلا بأن الذى دفعه إلى هذا القرار هو حرصه على أن تبقى الأراضى وهى أعظم موارد الثروة فى أيدى المسلمين لتكون قوة حربية واقتصادية، وكان ذلك مناسبا لروح العصر، فى إشارة منه إلى أن اختلاف روح العصر يبطل القرار، ويقول الإمام فى كتابه «المجتمع الإسلامى فى الإسلام» إن الإسلام كفل حرية التملك للجميع، وهى من ضمن الحريات التى راعاها الإسلام ودعمها، ومنها أيضاً حرية العقيدة مؤكداً أن القول بأن الإسلام انتشر بالسيف قول باطل، فلا إكراه فى الدين، «وإنما كانت الحرب لأن الملوك كانوا يمنعون الناس من أن يستمعوا لدعوة تجىء إليهم، وخصوصا إذا كانت الدعوة لا تتلاءم مع ما يفرضونه على الناس من تقديس لأشخاصهم واتباع لهم فى الحق والباطل، بينما الشريعة الجديدة تقول لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق» وعلى هذا النحو يقرر أبوزهرة أن الإسلام كفل الحرية الدينية لغير المسلمين، بل إنه يذهب إلى القول بأن حرب الفتوحات كانت من أجل إقرار الحرية الدينية، قائلا بالنص: «إن شئت أن تقول إن حرب الفتوحات كانت من أجل حماية الحرية الدينية ولم تكن لهدم هذه الحرية فقل».

هكذا يبرز الإمام سماحة الإسلام وعظمته فى كفالة الحرية الشخصية والدينية للجميع، قائلا إن المسلمين أطلقوا لفظ «ذميين» على أهل الكتاب لأن لهم عهداً وذمة عند رسول الله، وليس الذميون فقط بل حتى الوثنيين من المجوس، قائلاً فى كتابه: المجتمع الإنسانى فى الإسلام أن الدولة الإسلامية أقرت لهم شريعتهم ولم تعترض عليها، وقرر بعض الفقهاء أنه لا يحق لأحد أن يتعرض للمجوسيين الذين يعيشون فى الدولة الإسلامية حتى إذا ما تزوج ابنته أو أمه طالما شريعتهم تسمح بذلك، بل الأكثر من ذلك أن بعض الفقهاء أجازوا لهم الاختصام أمام القضاء الإسلامى، فأى حرية بعد هذه الحرية؟ وليس أدل على المساواة بين المواطنين فى الدول الإسلامية من موقف الصحابى الجليل عمر بن الخطاب الذى اشتكى له قبطى مصرى من أن ابن عمرو بن العاص ضربه قائلاً: «أتسبق ابن الأكرمين؟» وذلك بعد أن تغلب عليه فى السباق، فما كان من عمر إلا أن استدعى عمرو بن العاص وابنه وأمر الشاب القبطى أن يضرب ابن ابن العاص حتى يشفى غليله، وكان الشاب كلما توقف يقول له عمر زد ابن الأكرمين، حتى إذا ما انتهى الشاب من الضرب نزع عمر العمامة من فوق رأس عمرو بن العاص وقال للشاب القبطى تعال اضرب على صلعة عمرو فباسمه ضربك، فلما امتنع الشاب القبطى قال عمر لعمرو «منذ كم يا عمرو تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» ويعلق الإمام أبوزهرة على هذه الواقعة قائلاً: هذه كلمة يتحدث بها الأحرار فى كل مكان، لأنها شعار الحرية، إذ الحر هو الذى لا يستعبد غيره ولا يرضى بالضيم.

غير أن الإمام الذى عاش حياته فى الإسلام وبالإسلام، لم يكن ليفوته الدخول فى قضايا عصره بشجاعته المعهودة، فيلوم على المسلمين وحكامهم تفرقهم تحت كل مذهب ويذم التفرق المذهبى بين الشيعة والسنة محاولاً أن يجمع المسلمين على كلمة سواء، ولهذا الغرض كتب كتابيه عن الإمامين زيد بن على زين العابدين وجعفر الصادق، ويقول الإمام فى مقدمه كتابه عن الإمام زيد «إننا فى هذا العصر قد تفرقنا فى السياسة، فتقطعت الأمم الإسلامية فى أقاليم متنازعة، وتوزعتها أرض الله لا جامعة تجمعها ولا رابطة تربطها، وأصبح ولاؤها لغير الله ورسوله، فصار لكل إقليم ولى من أعداء المسلمين». ويدعو الإمام إلى نبذ التعصب الأعمى بين أبناء الدين الإسلامى منبها إلى ضرورة أن يتعامل أبناء الدين الإسلامى مع تراثهم بشقيه السنى والشيعى باعتبارهما من الأصول المعترف بها، ومنبها أيضاً لخطورة اتباع منهج التكفير الذى أصبح سائداً فى عصره فيقول إننا «ورثنا فى هذا العصر التفرق المذهبى حتى أخذ بعضنا يكفر الآخر من غير حجة ولا بينة، وصارت للآراء والأفكار عصبية تشبه عصبية الجاهلية، فابن الشيعى شيعى وابن السنى سنى، يتوارث المذهب كما يتوارث الجسم واللون من الأب إلى ابنه، وأصبحت كل طائفة كأنها جنس قائم بذاته، ومن يغير مذهب أبيه الشيعى يكون كمن يغير دينه ويرتد بعد الإيمان، وأهل كل مذهب يحسبون أن مذهبهم تراث لهم فقط وليس تراثا للإسلام كله، وإن اعتبره تراثا للإسلام فإنه يتبع ذلك بأن مذهبه هو الإسلام، وأن ما عداه انحراف لا يؤخذ به وضلال لا يلتفت إليه، وبهذا النفاق السياسى والمذهبى ضاعت القوى وأذلنا أعداؤنا».

ولكى لا يتوهم البعض أن الإمام يريد توحيد المذاهب الإسلامية فى مذهب واحد يقول إن إدماج المذاهب لا يصح أن يكون غاية، وحتى لو صح فإنه مستحيل، لكنه يدعو إلى الاستفادة من المنجز الفقهى من كل المذاهب ذاكرا باستحسان واضح أن مصر أخذت فى الأحوال الشخصية من المذاهب الإسلامية المختلفة وتحللت من التقيد بمذهب أبى حنيفة وأضافت إليه بعض الأحكام من المذهب الإمامى أى من مذهب الإمام جعفر الصادق، كما أخذت من المذهب الظاهرى، ودعا الإمام فى موضع آخر إلى أن تؤلف لجنة من علماء المسلمين لاستنباط قانون إسلامى من ثنايا المذاهب يحيث يكون ملائما لروح العصر ولا يكون مجافيا له، ولتجتهد هذه اللجنة اجتهادا جماعيا كما كان يفعل السلف الصالح.

هكذا كان الإمام أبوزهرة الذى مهما قال الواحد فى فضائله فلن يوفيه حقه يتعامل مع التراث الإسلامى لا يقتطع الأحاديث من سياقها، ولا يغلق قلبه حارماً نفسه وأمته من منجزات الحضارة الإسلامية فى الفقه وتطوره، معتمداً على عقله المخلص وقلبه العامر بالإيمان، ولذلك نقد الإمام ابن تيميه وأخذ عليه إنكاره للمنطق وهجومه على من اتخذوا من المنطق سبيلاً وميزانا، موضحا فائدة المنطق فى حماية الأمة الإسلامية من الهجمات الإلحادية التى لم يكن يصح معها إلا المنازلة بالمنطق، وكشف ما وقع فيه الإمام من تناقض حينما غضب ضد الذين يؤولون النصوص ويفسرونها تفسيراً مجازياً، وفى الوقت نفسه يعتبر كل الأسماء الواردة فى نعيم الجنة مجازية قائلاً إن الخمر فى الجنة ليس الخمر واللبن ليس اللبن، كما أكد الإمام أن المنطق الفطرى لا يتعارض مع الإسلام والعقل فى شىء، وبناء عليه اعترض على ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية فى كثير من الأمور.

وكما نقد الإمام ابن تيمية نقد المذهب الوهابى أيضاً، بل اعتبره نحلة ومذهباً محدثاً مستقلاً ووضعه من جملة المذاهب الضالة التى أدرجها تحت عنوان مذاهب حديثة، وهى الوهابية والبهائية والقاديانية وأكد أن الوهابيين لم يزيدوا بالنسبة للعقائد شيئا عما جاء به ابن تيمية، ولكنهم شددوا فيها أكثر مما تشدد، وأخذ عليهم عدم اقتصارهم على الدعوة المجردة بل حمل السيف لمحاربة المخالفين لهم، باعتبار أنهم يحاربون البدع كما أخذ عليهم أنهم كلما تمكنوا من قرية أو مدينة أتوا على الأضرحة هدماً وتخريباً وأنهم يعتبرون التصوير الفوتوغرافى وثنية، وأنهم توسعوا فى معنى البدعة توسعاً غريباً بل إنهم زعموا أن القول «سيدنا محمد» بدعة.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

خليل

فقيه ومفكر

عدد الردود 0

بواسطة:

aaa

????????

عدد الردود 0

بواسطة:

على حامد

لا تفتروا على الإمام فكتاب العقوبة خاصته يكذب هذا الكلام ص99و100

حرام نحن فى رمضان والرجم قرره وأكده المرحوم

عدد الردود 0

بواسطة:

د.م./ محمد درويش

إلى أستاذ وائل و إدارة الموقع،

عدد الردود 0

بواسطة:

يحيى عبدالمقصود طه

مقال اكثر من رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

mohamed elsayed

شكرا على المقال الرائع

عدد الردود 0

بواسطة:

منال نور

لا حول ولا قوة الا بالله

عدد الردود 0

بواسطة:

تامر عرابي

فعلا القرضاوي ذكر تلك الواقعة

عدد الردود 0

بواسطة:

مختار صبري

رجل ثقة و فقيه و ومن اولي الألباب

عدد الردود 0

بواسطة:

على حامد

لرقم 3درست كتاب العقوبة فىالماجستير فى جامعة عين شمس وعلقت بالنفى لكن الموقع لم ينشر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة