الزمن تغير فبعد أن كان يمر فى عز الليالى لا تصاحبه سوى دقات طبلته وصوته الذى يخترق الفضاء ليعيد الناس إلى ليالى رمضان من عز نومهم بالنداء الذى ورثه عن أجداده "اصحى يا نايم وحد الدائم.. اصحى يا نايم وحد الغفار.. رمضان كريم" وضوء قمر رمضان المبهج الذى يأتيه من بين البيوت المتقاربة فى حوارى قرية البراجيل التى يدور بها، أصبحت الآن الشوارع مضاءة بأنوار المصابيح ليلا كما النهار، والأطفال يملأون المكان ويتهافتون عليه كأن الساعة لم تتعد الثامنة مساء، يتجاذبون أطراف جلبابه فى محاولة لأن تأتى أسماؤهم من فم المسحراتى الذى لا يرونه سوى فى الشهر الكريم.
عم سامى هو التطور الطبيعى للمسحراتى الذى تغلب على سهر الناس وعدم نومهم بنشر روح من السعادة والتنافس بين أطفال المنطقة التى يمر بها على نطق أسمائهم والنداء بها، كما تغلب على انتشار العمران واستبدال المنازل ذات الطابق الواحد بالعمارات الكبيرة باصطحاب منادٍ يحمل الميكروفون ويستبدل البازة -طبلة المسحراتى التقليدية القديمة- بطبلة جديدة تعطى صوتا أقوى لتعيش أسطورة المسحراتى كحدوتة مصرية لا يستطيع حتى تبدل الحياة وانتشار التكنولوجيا وتغير العادات أن يمحوها ويقول "زمان كان البعض حتى لا يستخدم البازة ويكتفى بخشبة يضق بها على البيوت، ولكن الآن بعد التطور والمنازل العالية أصبحت الطبلة الكبيرة والميكروفون هم الأهم".
المحسراتى "المودرن" صاحب الخمسين عاما لم يبدأ عمله كمسحراتى سوى من ثمانية سنوات فقط على الرغم من أنه جاء إلى الحياة ليجد المهنة فى بيت جدوده، ولكن مهنة المسحراتى غير أى مهنة فالمسحراتى له بروتوكول خاص، حيث كان لا يسمح له بالعمل مع تواجد والده وجدوده، ويقول مساعده وزوج ابنته محمد الشناوى بشكل تلقائى حول السبب فى تأخر عمل معلمه "الناس الكبيرة دية ما كنتش تقدر غير إنك تمشى تتفرج عليها" ويتابع عم سامى "أنا كنت بنزل أساعد ذى محمد جوز بنتى دلوقتى وما بدأتش أشتغل إلا لما أبويا الله يرحمه اتوفى فبدأت أنزل مكانه".
بمجرد الإعلان عن ظهور قمر رمضان يبدأ عم سامى فى استخراج طبلته وإزالة الأتربة من فوق عدته ويجهز لعادته فى الشهر الكريم، فالأمر بالنسبة له ليس عمل ولا يطلب من أحد الأموال ولا يدق على باب أحد طالبا منه الدفع وإنما يأخذ ما يعطيه له "أولاد الحلال" ويفرح بالأطفال الذين يجوبون الشوارع معه يبتسمون ويتسامرون والثواب الذى يحصل عليه من كل شخص يستيقظ ليلحق بالسحور على ندائه ويقول "رمضان بالنسبة لى بيكون مختلف عن كل الناس وليه طعم ثانى وبحس إنى مستمتع بحاجة بعملها لكل الناس".
14 شارع فى منطقة البراجيل يجوبهم عم سامى منذ ثمانى سنوات بجلبابه الأبيض وملامحه السمحة لم تتأخر ساعته ولو لمرة واحدة عن إيقاظ النائمين أو بعث البهجة فى المستيقظين وتذكريهم بمظاهر رمضان الحقيقية ويشرح "إحنا اتربينا والعادة دية فى بيتنا ومش ممكن نقطعها مهما حصل ممكن بس نطورها عشان تمشى مع الظروف اللى موجودة حواليها".
"ودعتنا يا شهرنا عاجلا مستعجلا.. ومن بعدك يا رمضان تهجر المساجد ويقل منا الساجد والراكع.. ويفتتح باب الغفران" بهذا النداء الذى يعد أحد موروثات المهنة يودع عم سامى رمضان من كل عام ليعود إلى عملة التقليدى كموظف حكومى لعام كامل ينتظر حلول الشهر الكريم ليعود لمهنته ويعيدها من جديد أو يضيف لها تطويرا جديدا يتماشى مع الأوضاع الحالية.
"كنا زمان بنحس بالشغلانة أكثر وكنا بنحس إننا مفيدين أكثر، لأن من غيرنا كانت الناس مش هتصحى، إنما دلوقتى الجو اللى بنعمله بس هو اللى بيفرق" يقول الدقة الجديدة فى عالم المسحراتية عن رمضان الماضى ويتابع "حتى بعد تطور الحياة حينما كان يأتى رمضان فى الشتاء مع موسم المدارس كانت الناس تنام أما الآن مع الصيف والإجازة فالحياة متغيرة تماما ورمضان طعمه مختلف".
ولكن على الأقل فهنا فى المناطق الشعبية لسه بنحس برمضان، وبنعلق الزينة والمسحراتية بيعدوا أحسن من الأماكن اللى رمضان فيها بقى زى الأيام العادية.. ينهى عم سامى حديثه مع "اليوم السابع" بابتسامه رضا قبل أن يعاود السير مرة أخرى محاطا بالأطفال متابعا نداءه فى سعادة "اصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضان كريم".
من "البازة" للمايكروفون المسحراتى أسطورة كل العصور
السبت، 11 أغسطس 2012 10:09 ص
المسحراتي
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة