د. رضا عبد السلام

أعيدوا الاعتبار لهاتين الكليتين

الجمعة، 10 أغسطس 2012 08:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دعونا نتفق بداية على أن نهضة مصر وتقدمها لن يكون إلا بالعلم وباحتضان العلماء، كما أن الحياة الكريمة لشعب مصر لن تتحقق إلا بعد تحقيق اكتفاء ذاتى من السلع الزراعية الإستراتيجية، وهذا لن يكون إلا فى ظل قطاع زراعى حى ومتجدد.
نعلم جميعاً ما آل إليه حال العلم والعلماء فى مصر خلال العهد البائد. ففى الوقت الذى كان يُمَثل فيه بأهل العلم، ويحصل حملة مشاعل العلم على الفتات، لكى ينشغلوا بلقمة العيش والتشرد فى بلاد الله، كان الممثل أو المغنى أو الراقصة تحصل فى رقصة واحدة أو مسلسل واحد أو فيلم واحد على ما يحصل عليه أساتذة كلية كاملة فى عشر سنوات! ولهذا، لم يكن غريباً، بعد أن انقلب هرم المجتمع، وتم احتقار عقوله وتكريم توافهه، أن تنهار مصر اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً. هذا هو بالضبط الحصاد المر لزرع نظام مبارك، وأرجو دائماً أن يصححنى أحد.
فى بيئة كتلك التى عرضت لها أعلاه، لم يكن غريباً أن يأتى يوم على كلية عظيمة وعريقة ككلية الزراعة ولم يدخلها أحد من خريجى الثانوية العامة! ألم يحدث هذا؟! لقد حدث بكل أسف. ولما لا بعد أن حطت الدولة من قدر الزراعة والعاملين فيها، فانهار القطاع الزراعى.
انهار القطاع الزراعى فى بلد لا يزال يصنف عالمياً على أنه بلد زراعى متخلف! انهارت الزراعة لأن نظام مبارك أراد ذلك. فكان طبيعياً أن يصبح قطاع الزراعة قطاعاً طارداً، هج منه الفلاحون والمهندسون الزراعيون بحثاً عن الرزق سواءً فى المدن أو فى الخليج...إلخ.

ما جدوى تخريج خريجين من كليات الزراعة للعمل فى قطاع ميت؟! وأعود وأكرر أن مصر كانت – بفضل يوسف والى لا أعاده الله – فى مقدمة دول العالم تحريراً لقطاع الزراعة وتحديداً منذ منتصف الثمانينات!! هل تصدقون هذا؟ هل تعلمون أن دول كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى لا تزال تقدم دعمها السخى للزراعة والبحوث الزراعية، وهذا هو أحد أهم أسباب تعثر جولة الدوحة إلى الآن؟! نحن - بسم الله ما شاء الله - كنا سباقين إلى حرق قطاع الزراعة، فتركناه نهباً لعصابات القطاع الخاص. ولهذا لم يكن غريباً أن تحرق مصر مشكلات الأسعار والسلع الغذائية...إلخ.
أبعد كل هذا كنا ننتظر دخول أحد كليات الزراعة؟!
الآن وبعد أن قامت ثورتنا العظيمة، وبعد أن عادت إلينا مصر الحبيبة، أين كليات الزراعة والقطاع الزراعى فى رؤيتنا التنموية؟ فقد هبطت مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى المصرى من أكثر من 35% خلال السبعينيات إلى أقل من 12% مؤخراً. هناك علاقة ارتباط بين وزن قطاع الزراعة ووزن كلية الزراعة.

كنت أتمنى قبل بدء التنسيق لهذا العام أن يتم الترويج لكليات الزراعة لتعود لها الحياة من جديد، حتى تعود الحياة لمصر قاطبة! فعلماء الزراعة هم أداتنا لاستزراع الصحراء وتطوير السلالات والمحاصيل وزيادة إنتاجيتها. كنت أتمنى أن يتم الإعلان عن حزمة حوافز لطلاب كليات الزراعة وخريجيها، لكى تستقطب الكفاءات، وتدب فيها الحياة من جديد. أنا على يقين تام بأن نهضتنا لن تتحقق إلا بعودة الحياة للقطاع الزراعى. والاهتمام بكليات الزراعة محدِد مهم ورئيس من محددات التنمية الزراعية فى مصر. فأتمنى أن تصل رسالتى إلى من يهمه الأمر.

أما كلية العلوم، وما أدراك ما كلية العلوم، بيت العلماء والمبدعين والمخترعين؟ فأين هى من تنسيق مصر ما بعد الثورة؟ إلى متى سنظل نعزف على الوتر القديم؟! كان طبيعياً، بعد أن أهمل نظام مبارك العلم والعلماء، أن تتحول كليات العلوم ومعاملها إلى مبانٍ تسكنها الأشباح!

لقد تحولت كليات العلوم، التى خرجت المئات من العلماء والمخترعين من أمثال مشرفة وزويل...إلخ، إلى دكاكين ومكاتب للحضور والانصراف. هكذا أراد نظام مبارك الحط والتنكيل بكل ما هو قيم وعظيم. كان طبيعياً أن يموت العلم بموت كليات العلوم. كان طبيعياً أن يعزف الشباب المتفوق عن دخول هذه الكلية العظيمة، بعد أن أهدرت الدولة قيمة العلم والعلماء.

الآن، كيف لمصر أن تصبح واحدة من الدول الصناعية أو حديثة التصنيع أو النمور بدون خريجين فى التخصصات الكيميائية والفيزيائية والجيولوجية والرياضية...إلخ؟ إنها كلية العلوم التى كانت - على مدى عقود - منارة للعلم لا أقول فى العالم العربى، ولكن على مستوى أفريقيا قاطبة!
رغم كونى أستاذاً فى كلية الحقوق، إلا أننى أمين مع نفسى، وأكتب ما يمليه على ضميرى وحبى لوطنى. أنا مؤمن بأن ما هو شائع بشأن كليات قمة وكليات قاع هو جهل مطبق، أغرقنا فيه نظام مبارك. فكلية الحقوق - التى لا تعد حالياً من كليات القمة - كانت يوماً ما كلية قمة وكلية البشوات والوزراء ولا زالت. وكلية العلوم هى الأخرى، كان لها يومها عندما كان هناك احترام للعلم وأهله.

علينا من الآن فصاعداً أن نتخلى عن تلك النعرات التى تنم عن جهل المؤمنين بها، وأن ندرك أن كل كلية أو كل تخصص يمكن أن يكون قمة أو قاع. فالعبرة دائماً بالإبداع والقدرة على تقديم جديد للإنسانية.

وفى الختام أدعو القائمين على التعليم فى مصر الجديدة أن يولوا هاتين الكليتين العظيمين الاهتمام الذى يليق بقدرهما وأهميتهما. فمصر لن تكون واحدة من الدول المتقدمة بدون علماء كليات العلوم، وخريجوها الذين سيعيدون الحياة لمصانعنا وشركاتنا المختلفة. كما أن شعب مصر لن يعيش كريماً إلا بعودة الحياة للزراعة ومستلزماتها. وكليات الزراعة وخريجوها محدد مهم لتحقيق النهضة الزراعية التى ننشدها. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة