هنا حيث كانت معارك شارع محمد محمود.. الاشتباكات الدامية بين القوى الثلاث المتظاهرون وقوات الأمن والعسكر على خلفية القنابل المسيلة للدموع وتتطاير أعيرة الخرطوش لتخطف نور عيون الشباب، الصورة تكتمل بترك أهالى الشارع والميدان لمنازلهم وترك ساحة القتال لمن فيها.. فهل من الممكن أن يفكر أحد فى أن يخرج من وسط كل هذا بأعمال فنية بحت.
تحويل طلقات الغدر إلى أعمال فنية.. هذا ما قرر أن يفعله الفنان عزت حامد ليستغل تواجد مسكنه فى شارع محمد محمود حيث يهرب الجميع من طلقات الخرطوش والغازات المسيلة للدموع ويستخدم هو شجاعته الفنية ويبقى مع أولاده طوال فترة المعارك مراقبين ومحللين لما يحدث أمامهم، قبل أن يتجه إلى ميدان المعركة متجاهلا تحذيرات القنوات الفضائية وحالة الرعب والهلع التى كانت تسيطر على جموع الشعب المصرى فى هذا الوقت حاملا السلاح الوحيد الذى يعرفه وهو سلاح الفن ليبدأ فى جمع كل ما يجده من أدوات القتل التى طالت من أجساد الثوار وتركت بها ما تركت ويضعها أمامه منتظرا أن تأتى له فكرة تحويلها إلى عمل فنى يرتدى عباءة الثورة ويحمل فى طياته شواهد على واحدة من أكثر المعارك دموية بين قوات الأمن والشباب المصريين.
دائما نرى الشىء كما تحب عيوننا أن تراه وليس كما هو.. هذه الحكمة هى بالتحديد ما حدث مع عزت بعد أشهر من تواجد طلقات الخرطوش أمامه بدأ سحر الفن يقوم بدوره ويحول هذه الأدوات التى صممت للقتل والإصابة فى عينيه إلى مادة خام يمكن أن تخرج منها مجموعة رائعة من الأعمال الفنية، ليجمعها مع بعض بواقى الحديد المستعملة بطريقة معينة وبعد العمل لأسابيع خرجت الأعمال الفنية على هيئة موتوسيكلات ثورية يحمل كل واحد منهم ذكريات حية لأحداث الثورة المصرية.
يقول عزت "لم أكن أعرف ماذا سأفعل بهذه الأشياء فى البداية ولكن انتابنى شعور بأهميتها الكبيرة ولذلك جمعتها ووضعتها أمامى حتى جاءت لى الفكرة وبدأت أعمل عليها".
فنان الخردوات المبدع بدأ حياته بعيدا عن المجال الفنى فى ورشة لكهرباء السيارات كانت مملوكة لوالده، لم يدرس أى نوع من أنواع الفنون على الإطلاق وعلى الرغم من ذلك فهو بدأ عمله مع الفنون منذ نعومة أظافره.
"كنت أجد الخردوات تذهب للقمامة بكميات كبيرة وأنا فى الورشة وكنت دائما أنظر لها وأشعر أنها يجب أن تستغل فى شىء مفيد" هكذا يحكى عزت صاحب الثمانية وأربعين عاما بداية قصته مع الفن منذ سنوات ويتابع "بعد فترة بدأت أجمع هذه الخردوات وأربطها مع بعضها وبدأت أخرج بأعمال فنية تلقى استحسان الجميع".
عزت منذ سنه الصغيرة قرر ألا يستخدم أى شىء جديد أو مصنع فى أعماله حيث يعتمد فيها على الأشياء المعاد استخدامها أو الخامات الطبيعية مثل الودع والصدف وهى الطريقة التى استمر فى العمل بها حتى الآن وقبل أن تبدأ أحداث الثورة فى الاشتعال وتأتى له أحداث محمد محمود بخامات لم يكن يتخيل فى يوم من الأيام أنه سيستخدمها ويقول "بعد استخدام مهملات الورشة وقعت فى عشق الأصداف وبدأت أعمل عليها، ولكننى لم أكن أتخيل أننى سأقع فى قلب ساحة قتال ليتاح لى استخدام الخرطوش وقنابل الغاز فى أعمال فنية".
"عمل النظام... ثورة 25 يناير.. متعلقات محمد محمود.. قنابل مسيلة للدموع USA" هذه هى بعض العبارات والرسائل التى كتبها الثوار على القنابل والطلقات حين عثر عليها الفنان الذى مازال محتفظا بورشة والده ليقرر أن يبقيها على حالها حامله معناها الفلسفى الذى يراه كل شخص وفقا لما يحب ويفسره كل شخص وفقا لما يريد حتى وإن رآه مجسما بسيطا لموتسيكل بخامات جديدة لا يرمز إلى أى شىء.. أو رآه عمل فنى يحفظ جزءا هاما من أحداث الثورة المصرية ويشهد على أحداث لن ينساها على الأقل آلاف المصريين الذين تعرض أبنائهم وأقاربهم وأصدقائهم للإصابة أو القتل فى شارع محمد محمود لتكون دمائهم وعيونهم التى أحدثتها هذه الطلقات ضريبة حصولنا الآن على أول رئيس مدنى منتخب بشكل حر فى تاريخ المحروسة.
عزت حامد يحول الطلقات التى أصابت أبطال محمد محمود لأعمال فنية
الأحد، 08 يوليو 2012 10:29 م
الفنان عزت حامد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة