لم يستطع الشيخ "محمد" الصمود أمام إلحاح ابنه الصغير الذى وقف ممسكاً بطرف جلبابه والدموع تنهمر على وجهه فى محاولة لإقناع والده باصطحابه لحلقة الذكر، التى يتردد عليها باستمرار، وهى المحاولات التى سرعان ما نجحت فى دفع الطفل الصغير إلى عالم الذكر والتواشيح وحلقات الإنشاد الدينى التى لم يكن يعرف أنه سيتربع على عرشها يوماً ما، حاملاً اسم الشيخ "النقشبندى" صاحب أعظم ابتهالات شهر رمضان حتى اليوم، ولم يكن والده الذى لم يخف إعجابه الممزوج بالفخر بصوت طفله الصغير يتوقع أن يتحول هذا الصبى الذى حفظ القرآن عن ظهر قلب فى عامه الثامن، إلى "أستاذ المداحين" وشيخ مشايخ الطريقة "النقشبندية".
الشيخ "محمد بهاء الدين النقشبندى" هو ذلك الطفل الذى بدأ رحلته مع الإنشاد الدينى فى سن صغيرة لم تمنعه من إبهار الجميع، بصوته العذب، وهو الصوت الذى انطلق يشجى القلوب فى رحلة طويلة من الابتهال إلى الله، بقلب صاف وصوت خاشع طاف به الشيخ "النقشبندى" محافظات مصر والدول العربية التى ذاعت شهرته بها فى وقت قصير، إلى أن بدأ فى تسجيل ابتهالاته بعد أن التقى صدفة بالإعلامى "أحمد فراج" فى إحدى حلقات الذكر، ليقنعه بضرورة تسجيل هذه الأناشيد وتخليدها إلى الأبد، فاشترك معه فى تسجيل بعض التواشيح لبرنامج "فى رحاب الله"، ثم انطلق فى تخليد هذه التواشيح لتتحول إلى أعظم العلامات المميزة لشهر رمضان على مدار أعوام متواصلة.
"مولاى، ماشى فى نور الله، جل الإله، ربنا، أيها الساهر، رسولك المختار، يا رب إن عظمت ذنوبى" وغيرها من التواشيح هى ما ظلت خالدة للشيخ "سيد النقشبندى" حتى تحولت معظمها لأهم ما يميز شهر رمضان الكريم حتى يومنا هذا، وهى ما أنشدها "أستاذ المداحين" فى تجل مع الله عندما يغمض عينيه فينفصل عن العالم وينسى من جلسوا أمامه للاستماع فى خشوع، ليدخل فى مساحة صافية من التواصل مع رب العالمين، يناجى ربه بقلبه مناجاة تنعكس على صوته الذى يلمس القلوب وتذرف له الأعين دموع الرهبة والخشوع وهو يردد "مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى من لى ألوذ به إلاك يا سندى" لتبقى ابتهالاته حاضرة بالرغم من غيابه منذ عام 1976، ويبقى صوته هو الصوت الذى تستيقظ معه الأعين لصلاة الفجر طوال شهر رمضان، ويستمر تكريمه عاماً بعد عام كأعظم المنشدين الذين تركوا أثراً لا يمكن نسيانه.
