بعد 35 عاما قضاها بين أروقة الشهر العقارى لهدف واحد وهو العمل ثم العمل وعلى أكمل وجه من أجل تنفيذ التعليمات والوصول بمكانه إلى أفضل ما يكون.. قرر الرجل العملاق فى الشهر العقارى "الخمس نجوم" أن يثور مع الشباب الثائرين ليعلن للمرة الأولى فى حياته تمرده على الوضع الحالى والسابق، ورفضه لما يحدث فى أروقة المكان الذى قضى به أكثر من نصف عمره من خلال الإضراب الذى لم يكن يتخيل أنه سيمارسه أو سيسمح له به فى يوم من الأيام.
الرجل العملاق أو "المأدس" هو لقب عم شحات واصف شحات، أكبر وأقدم العاملين فى الشهر العقارى النموذجى بالدقى المشهور بمكتب "الخمس نجوم" لأنه فى فترة من الفترات كان أحد مكتبين هما الأفضل على مستوى أم الدنيا واللذين كنا نفخر بهما أمام الزائرين من كل الدول العربية قبل أن يصبح الآن وفقا لما يراه عم شحات "خارج نطاق الزمن".
بين شجارات المواطنين على الأبواب المغلقة، وبين أروقة المكان الذى كان يكتظ بطلبات الناس بدا على الرجل أنه يشارك فى عمل من زمن آخر لا ينتمى له، فهو جاء من زمن الأوامر، وعاش فى مكانه أكثر من 36 عاما تحت حكم الرئيس المخلوع مبارك والرئيس السابق أنور السادات ليبدأ فى الانتفاض مع شباب المكان، ويطالب معهم بتحقيق العدل وإزالة الظلم الواقع على مؤسستهم كما يرونه، ويقول "الإضراب فى الأصل شىء جديد علينا، ولم أكن أتخيل أو أتمنى أن أشارك به فى يوم من الأيام".
الظلم، وإهمال المكان، والإهانة المتعمدة، والفساد، والتشويه المتعمد للعاملين.. هى مجموعة من الأشياء التى حركت عم شحات لتضعه وسط جيل الثوار من الشباب الذين عشقوه على مدار عمرهم الذى قضوه حتى أطلقوا عليه لقب "الرجل العملاق للشهر العقارى".
عم شحات بدأ قصته مع الشهر العقارى عام 1977 مع سبعة عشر شخصا اختيروا ليكونوا أول من يتعلم التعامل مع المايكرو فيلم "كمبيوتر العصر القديم"، كما أطلق عليه ليشكلوا بما تعلموه نقلة فى الشهر العقارى وأشرفوا على تسجيل جميع بيانات الشهر العقارى على مستوى جمهورية مصر العربية حتى عام 1985 حين جاءت النقلة الثانية فى حياة الرجل العملاق.
"عام 86 اختارونى كأول موظف يدخل نظاما للشهر العقارى النموذجى فى الوقت الذى كان يجب أن أبقى فى فرع المحفوظات ورغم عشقى للمكان الذى شاركت فى تأسيسه بدأت أعمل فى الوضع الجديد لأخدم المكان الذى أنتمى له" تحدث عم شحات وهو يجلس على أحد الكراسى المتهالكة بين الحواسب التى عفى عليها الزمن وتابع "عملنا بالشكل اليدوى حتى 2008 حين دخلت الحواسب وشكلت نفس نقلة المايكرو فيلم".
وجود الحواسب كان ما يشبه السحر بالنسبة للرجل العجوز ويقول "لم أكن أصدق حين أكتب الاسم ثم أضغط على الزر فتظهر البيانات" وتابع "لم أكن أجعل أى شخص يأتى مرتين وكنت أسلم الجميع ما يريدون فى يومها وليس بعد يومين مثلما هو الطبيعى".
كعادة أم الدنيا فى العهد البائد لم يدم الأمر طويلا فسرعان ما انخفض الدعم ولم تحدث الأجهزة وبدأ حال الشهر العقارى الخمس نجوم يفقد نجمة وراء الأخرى مثلما يحكى الرجل الذى لم يبق له فى المكان سوى عامين قبل أن يذهب للمعاش، ويقول "رغم أننى شاركت فى وضع هذا المكان وغيره من الأماكن فى الشهر العقارى إلا أننى لا أريد لأى شخص أن يتذكرنى وكل ما أريده أن يأتوا ليروا مكانا أفضل مما نحن فيه الآن".
عم شحات صاحب الضحكة الراضية والمؤمنة بأن كل ما يحدث هو مكتوب عند الله ما زال يغير على مؤسسته أن تتسول أوراق الطباعة والحبر من رجال الأعمال أو أن تقوم بإرهاق المواطنين بسبب افتقاد موظفيها للإمكانيات ويقول "كل ما أحلم به الآن أن يمسك زمام هذه المؤسسة أشخاص يعرفون قدرها ليضعوها فى مكانها الذى تستحقه" وتابع "وأحلم أيضا أن يتم عمل مكان مركزى تسجل فيه جميع العقود ليوفر على المواطنين عناء السفر لأسيوط إذا كانوا يبحثون عن توكيل تم هناك مثلا".
الرجل العملاق فى الشهر العقارى "الخمس نجوم".. عاش يشاهد سقوط "نجمة نجمة"
الجمعة، 20 يوليو 2012 09:03 م