حافظ أبو سعدة

استقلال القضاء والدولة المدنية

الخميس، 19 يوليو 2012 11:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعد استقلال القضاء وحصانته من المقومات الثابتة لأى نظام سياسى، فهو ضمانة أساسية لتعزيز قيم الديمقراطية والفصل بين السلطات، ونبراس لحماية الحريات والحقوق الفردية، حيث يعمد إلى الحيلولة دون طغيان إحدى السلطات على الأخرى، أو اعتداء من قبل السلطة التنفيذية على الحقوق والحريات أو مخالفة القانون والدستور.
وبرغم ذلك تم النيل من استقلال القضاء، ولم تحترم أحكامه على مدى العقود الماضية، فمقولة «سيد قراره» هى اختراع د. رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، حين رفض تنفيذ عدة أحكام قضائية بأحقية عدد من المرشحين المعارضين بأن يصبحوا نوابا، وقال قولته الشهيرة: «المجلس سيد قراره»، وفى عام 1990 تم اغتيال المحجوب، وتم انتخاب د. فتحى سرور رئيسا لمجلس الشعب خلفا له، ومجلس الشعب هو سيد قراره، وليس أحداً غيره، ولكنه حول هذه المقولة انتهك مئات الأحكام التى أصدرها القضاء ببطلان عضوية مئات النواب طوال العشرين عاما الماضية، ورفض الاعتراف بها، وفى عام 2006 أصدرت محكمة النقض برئاسة المستشار حسام الغريانى حكما ببطلان فوز زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية سابقا، فى مجلس الشعب، لعدم وجود إشراف قضائى على الانتخابات، ولكن رئيس الوزراء لجأ للمحكمة الدستورية، فألغى قرار محكمة النقض، ليبقى زكريا عزمى على كرسيه البرلمانى.
ومن الإنجازات المهمة التى حققتها ثورة 25 يناير بعد إسقاط النظام الفاسد هى إنهاء مقولة المجلس سيد قراره، وإلى الأبد بعد أن جعل الإعلان الدستورى الفصل فى صحة عضوية الأعضاء من اختصاص محكمة النقض فقط، بعد تغيير النص لتقوم محكمة النقض بإصدار قرار ملزم، ويلتزم مجلس الشعب بتنفيذ قراراتها ببطلان عضوية أى نائب بدون مناقشة.
وبانتهاء عصر النظام السابق وانتهاء مقولاته، نجد أنه من الضرورى حماية استقلال القضاء، نظرا لمكانته ودوره فى حماية الحقوق والحريات، والأمثلة على ذلك كثيرة، فبالنسبة لحرية العقيدة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، قضى بوقف تنفيذ القرار السلبى بامتناع جهة الإدارة عن استخراج بطاقة الرقم القومى للمدعى مؤشّرة أمام خانة الديانة بشرطة أو تركها خالية، وفى حرية الاجتماعات وتنظيم المسيرات، أعلى القضاء من شأن الحريات العامة، وأباح منها للمواطنين حقهم فى عقد الاجتماعات العامة وتسيير المواكب، على أن يتم ممارسة هذا الحق فى إطار أحكام القوانين التى تقوم على تنظيمه، وعليه، فإن تنظيم المسيرة الشعبية تعد حقاً دستورياً عاماً مقرراً للمواطنين يتصل اتصالاً وثيقاً بالحريات العامة، كما أقر حق منظمات المجتمع المدنى فى مراقبة الانتخابات، هذا بخلاف دوره فى حماية حق الملكية العامة «حكم مدينتى».
وبرغم ما سبق ذكره، تشهد مصر الآن حملة ضد القضاء ورجاله وتشوه صورته، ولا تحترم أحكامه، مما يعتبر بمثابة تهديد لمقومات الدولة الديمقراطية الحديثة، فى حين أنه أحد أهم الأعمدة الأساسية لهذه الدولة، لذا ينبغى التصدى لتلك الحملة ومجابهتها، واحترام أحكام القضاء الذى قام بمنجزات هائلة فيما أصدره من أحكام رائعة تستحق الإشادة بها، وذلك برغم البيئة الاستبدادية التى كانت تحيط به أيام النظام السابق، ومع ذلك نجح القضاء فى أداء رسالته، ومن هنا فإنه من منطلق الحرص على استقلال القضاء واستمرارية دوره فى حماية الحقوق والحريات ينبغى على رئيس الجمهورية، ومختلف مؤسساته احترام أحكامه، والتخلى عن استخدام نفس أدوات النظام السابق للنيل من القضاء واستقلاله، ولكن فى ذات الوقت ينبغى أن يصدر قانون يضمن الاستقلال الكامل والتام للسلطة القضائية عن باقى السلطات، استقلالا حقيقيا لا شكليا، حتى لا نقع فى أخطاء الماضى، ويحدث تصارع بين السلطات الثلاث، لا سيما أننا بصدد تأسيس دولة ديمقراطية مدنية حديثة، أحد أعمدتها الأساسية استقلال القضاء، واحترام أحكامه.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة