الحدث الكبير والجلل عاشه المجتمع الصحفى والإعلامى برحيل الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة، هو حدث كبير لكل أبناء المهنة التى ستفتقد كلمات صادقة وشفافة، تتمتع بمصداقية كبيرة لدى القارئ، لم أتابع عن قرب معارك الأستاذ سلامة فى الأهرام فى نهايات عهده به، لأننى كنت أعمل فى الخارج مدة 15 عاماً، ولكننى تابعته وعرفته إنساناً رقيقاً يتمتع بشياكة حقيقية فى المظهر والمضمون.
أعرف عنه شهامة اللحظة الأخيرة، بمعنى أنه يتدخل عند غرق الإنسان لانتشاله من تحت الماء، حدث ذلك معى، كنت فى الخارج أعمل وفجأة وبدون مقدمات، جاءنى فاكس من تحرير الأهرام وإدارته فى ذلك الوقت فى 2003، تطالبنى فيه بالعودة خلال 15 يوماً أو الاستقالة، فكرت فى ذلك الوقت أن أتصل بالأستاذ محمد حسنين هيكل، لكى يتدخل لصالحى، ولكن للأسف كان فى رحلة علاج فى الخارج، وكنت فى حالة غرق، فلم أصل بعد لسن الـ 55 مما يعنى خسارة مستحقاتى المالية، بعد أن كنت على قوة الأهرام 32 سنة، أعطيته كل ما عندى، وشهد لى القارئ بجهدى فحين التقى بالناس حتى اليوم، وبعد أن تركت موقعى رسمياً منذ 2003، وأقدم نفسى يقولون «هدايت بتاع الأهرام»، وفكرت ماذا أفعل؟ قلت إنه سلامة، واتصلت به وأنا أتحرك من مؤتمر صحفى فى قاعات الأمم المتحدة بجنيف إلى مكتبى، ووعد بأنه سيتدخل.. ثم طلب منى ورقه بالحالة ليقدمها، وقد فعل واستجابت إدارة التحرير فى ذلك الوقت للطلب، وتمكنت من الاستمرار عدة أشهر حتى وصلت للـ55، وكما وعدت من جانبى قمت صباح الـ55 بتقديم استقالتى، ومفارقات القدر أن هذه الإدارة تركت الأهرام بعد سنتين بالضبط من تقديم استقالتى.. ربما وربما وربما كان الوضع سيكون مختلفاً لو أن أسامة سرايا تولى رئاسة تحرير الأهرام فى 2003، إلا أنه حظى بهذا المنصب فى 2005 بعد استقالتى بعامين، ودعانى للكتابة فى صفحة الرأى خلال رئاسة تحريره.
الأمر الثانى الذى أذكره وبشدة للأستاذ سلامة ،وهو أستاذ الأستاذة بعد هيكل، وأحمد بهاء الدين، أنه قال لى فى مناسبة حين التقينا الثلاثة هو وزوجته يوليانا وأنا على مائدة العشاء، إنه أبلغ إدارة التحرير حتى 2003، بأن هدايت أفضل من يتولى مكتب واشنطن للأهرام.. أمر لم يحدث أبداً، فهو كان يخاطب الأصم، ولكننى فخورة بثقته فى مهنيتى وفى أدائى، وتظل شهادته التى لم يسمعها سواى وزوجته مسألة أعتز بها كثيراً. ربطتنى بالأستاذ سلامة مودة عميقة، واحترام من جانبى له.. لكل ما يمثله من تحضر وإلمامه بأكثر من لغة وتواضعه. مصر ودعته وأنا معها.. مصر ودعته لأن كلماته ملاءة الكون، وودعته لأنه كان العملة النادرة القيمة والصحيحة وسط العملات الزائفة، سلامة أحمد سلامة لن يموت لأن كلماته ملأت الكون، وسيظل حياً به، وبكتبه وبسيرته الجميلة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة