وقع منصف المرزوقى بين تونس بلد المقام (بضم الميم) ومصر بلد المقام (بفتح الميم)، فطاب له المُقام على أرض المَقام، فتاه فيها عشقا وولها، ومنحها من عاطفة قلبه المخلص ما تستحقه، وما ينم عن نفسية متصالحة مع ذاتها، ومتناغمه مع أفكارها، لا تتصنع ولا تبتذل، بل تشى بما عنَّ لها، وتنضح بما فيها، وليس فيها إلا الخير والحب والعروبة !!
الرئيس المثقف أصبح كإحدى عجائب الدنيا السبع، لا تراه بل تسمع عنه بين حين وآخر، فقد كان محمد خاتمى رئيس إيران السابق رئيسا مثقفا لذا لم يطل عمره فى الحكم، وربما لا يطول أمد المنصف المرزوقى ليس لقلة الكفاءة ولكن لزهد النفس المثقفة فى السعى وراء مناصب يعلم أنها زائلة، بينما الفكر والثقافة والعلم ثوابت لا تزول بمرور الوقت.
الرئيس المثقف مشبع بأفكار وقراءات وبحوث ونظريات، جعلت محصنا بقيم ومفاهيم وأخلاق وطباع تأبى أن تتحول أو تتبدل، لذا فهو يقف عند كل شىء ويدقق فى كل لفظة ويعيد الكلام على نفسه قبل أن ينطق به لسانه فلا يستطيع استرداده.
المثقف حر ونزيه، لا يستعبده موقع، ولا يستذله إغراء، السجن أحب إليه مما يدعونه إليه، والإبعاد والنفى أكرم له عند نفسه من أن ينحنى ولو قليلا أو أدبا - كما يحب أن يسميه البعض كذلك -وهو يواجه السلطان .
المثقف جميل ويحب الجمال، لذا فهو يقدر قيمة الجمال فى كل شىء، ويراه حسن الوجه والإطلالة بل حسن المخبر والدلالة، لذا فهو يرفض أن يصف القبيح بالجميل، ولا الوضيع بالرفيع، ولا البخيل بالكريم، ولا الأمى بالمتعلم، ناهيك عمن يصفونه بأنه عالم !!
المرزوقى المثقف يحلل وبمهارة، ويضع الحلول بدقة، ولكنه كرئيس حتما ولابد أن تعترضه المشكلات وهو ينفذ خطة علاجه الثقافية لبلد تبدلت ثقافته وتحورت أفكاره، وأعيد استزراع أفكار لا يمكن أن تنبت فى أرض تونس الطيبة، ولكن تم إنباتها لتبقى بلا جذور، حتى إذا أتت رياح الثورة فحملتها فأصبحت كالذر فى مهب الريح.
المرزوقى رئيس مثقف بسيط متواضع يعرف أنه لن يطول به المقام فى السلطة ، بينما الآخرون لا يزالون فى حفلتهم التنكرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة