د. رضا عبد السلام

كيف نستثمر قناة السويس ؟

الجمعة، 29 يونيو 2012 10:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إطار الدعاية الانتخابية المضادة قبل إعلان فوز الدكتور مرسى بالرئاسة، كانت بعض وسائل الإعلام قد أشارت إلى سعى الإخوان المسلمين لتأجير قناة السويس لدولة قطر مقابل 100 مليار دولار، تحصل عليها مصر نظير انتفاع دولة قطر بالقناة لمدة 99 عاماً، على أن تلتزم دولة قطر بدفع تلك الـ 100 مليار فور توقيع الاتفاق! قيل إن مبلغ الـ 100 مليار التى سيتم الحصول عليها من قطر ستستخدم فى إنجاز مشروع النهضة الذى طرحه الدكتور مرسى!!
مؤكد أننى لست فى وضع نفى أو تأكيد هذا الخبر، وإن كنت أعده خبراً تم بثه وترويجه لهدم مرشح الإخوان وإظهار الإخوان على أنهم تابعون لقطر ويسعون لبيع مصر لدولة قطر...إلخ.

دعونا نخرج من هذا الجدل ونتكلم بشكل علمى بشأن كنز قناة السويس وكيفية استثماره الاستثمار الأمثل. فالدولة المصرية، على مدى أكثر من قرن تتعامل مع قناة السويس تعامل عسكرى المرور أو من يقوم بجمع الكارته على الطريق! فقناة السويس كنز ثمين، فشلت الدولة المصرية فى استثماره الاستثمار الأمثل وأضاعت على البلاد مليارات الدولارات واكتفت بالحصول على ثلاثة أو أربعة مليارات سنوياً فى شكل رسوم مرور للسفن العابرة!!

إن أول خطوة لاستثمار قناة السويس بشكل علمى تتمثل فى "دعوة كبريات الشركات الاستشارية العالمية كشركة مكانزى أو بوز أند كومبانى أو كى بى إم جى...الخ، لوضع دراسات استراتيجية أساسية وتفصيلية بشأن أفضل استثمار لقناة السويس. ستتنافس هذه الشركات فيما بينها للوصول إلى أفضل تصور لمستقبل قناة السويس كمشروع عالمى ضخم. بعد ذلك ستتقدم تلك الشركات بعروضها وبرامجها وكافة التفاصيل بشأن أفضل المشروعات التى يمكن تدشينها...إلخ.

أما الخطوة التالية فتتمثل فى قيام الحكومة المصرية بدراسة تلك العروض واختيار أفضلها (اقتصادياً ومالياً وتنموياً واستراتيجياً). يلى ذلك إعداد قانون خاص بالاستثمار فى منطقة قناة السويس، بحيث ينظم حقوق وواجبات المستثمرين المصريين والأجانب، وأبرز التيسيرات التى يمكن تقديمها فى هذا الخصوص...إلخ.
قد يكون من بين الخيارات مسألة العمل بنظام Building Operation & Transfer (BOT)، أى الاتفاق مع شركات عالمية (حكومية أو خاصة) للقيام ببناء المشروع وتشغيله لفترة ثم نقله بعد انقضاء تلك الفترة ليكون تحت سيطرة الحكومة المصرية، ولهذا تسمى عقود الـ BOT. فمن خلال تلك النوعية من العقود لن تتحمل ميزانية الدولة تكلفة إقامة تلك المشروعات الضخمة وبنيتها الأساسية، فى مقابل انتفاع من يقوم بالإنشاء لفترة محددة. قد يكون هذا المستثمر من السعودية أو من قطر أو من بريطانيا أو اليابان أو ماليزيا...إلخ.
علينا ألا نخشى من أحد طالما أننا نسلك الطرق القانونية، ونضع المصلحة الوطنية قبل كل شىء.
ولكن، ونظراً لحساسية ممر قناة السويس، يلزم مراعاة تلك الحساسية سواءً عند تصميم المناطق الصناعية والتجارية التى ستمتد على جانبى القناة، أو مراعاة تلك الخصوصية عند صياغة العقود والاتفاقات مع المستثمرين، بحيث نضمن طمأنة الدول والسفن العابرة، ليتعاظم انسيابها.
وأدود الإشارة إلى أمر مهم، أرى من واجبى كمصرى الإشارة إليه فى هذه المرحلة الحرجة، وهو أننى عمِلت لفترة مع حكومة دولة قطر، وكنت قريباً جداً من مراكز اتخاذ القرار، وأدرك تماماً أن لدولة قطر إستراتيجية واضحة بشأن أفريقيا بوجه عام. فدولة قطر تسعى لأن تكون فى مقدمة الدول اللاعبة فى السوق الأفريقي، حيث أن لديها فوائض مالية ضخمة تسعى لتوظيفها فى أسواق خارجية، وبذلك تتغلب على صغر حجم سوقها، وتضمن فى نفس الوقت استدامة عملية التنمية.

ولكن لا يعيب دولة قطر سعيها للاستثمار هنا وهناك، فهذا توجه مشروع، ولكن نظراً لحساسية وخصوصية قناة السويس، ينبغى أن يكون تعاملنا معها وفقاً للمنهج العلمى الذى عرضت له أعلاه، وما سيعرض له المخلصون من أبناء مصر. فالإخوة فى دبى، عندما فكروا فى استثمار منطقة جبل على، تحركوا وفقاً لهذا المنطق العلمى السليم، ولهذا تعد منطقة جبل على من أفضل وأنجح المناطق الاستثمارية والصناعية عالمياً. لذا، علينا الاستفادة من تجربة الأخوة فى دبى قبل أن نشرع فى طرح مشروع قناة السويس. فمنطقة جبل على تضم آلاف الشركات من مختلف الدول، وقد أسهمت بشكل كبير فى تعزيز القدرات التصديرية لإمارة دبى.

وأختتم بالقول، علينا أن ننتقل بشكل سريع من مرحلة الأقوال إلى الأفعال. علينا أن نستثمر كل لحظة فى عملية بناء مصر الجديدة. لا يمكن أن يستشعر شعب مصر بثمار الثورة إلا عندما تتفجر فرص العمل وتتحرك الأسواق وتتصاعد الصادرات، وترتفع الدخول ومن ثم يرتفع مستوى رفاهية المواطن المصرى. مشروع قناة السويس يمكن أن يمثل اختباراً حقيقياً فى هذا الخصوص. والله ولى التوفيق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة